[فَصْلٌ تُؤْخَذُ الْأُذُنُ الْمُسْتَحْشِفَةُ بِالصَّحِيحَةِ]
(٦٦٩١) فَصْلٌ: وَتُؤْخَذُ الْأُذُنُ الْمُسْتَحْشِفَةُ بِالصَّحِيحَةِ. وَهَلْ تُؤْخَذُ الصَّحِيحَةُ بِهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا تُؤْخَذُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ مَعِيبَةٌ، فَلَمْ تُؤْخَذْ بِهَا الصَّحِيحَةُ، كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ. وَالثَّانِي: تُؤْخَذُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا جَمْعُ الصَّوْتِ، وَحِفْظُ مَحَلِّ السَّمْعِ، وَالْجَمَالُ، وَهَذَا يَحْصُلُ بِهَا كَحُصُولِهِ بِالصَّحِيحَةِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ.
[فَصْلٌ قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَبَانَهَا فَأَلْصَقَهَا صَاحِبُهَا فَالْتَصَقَتْ وَثَبَتَتْ]
(٦٦٩٢) فَصْلٌ: وَإِنْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَبَانَهَا، فَأَلْصَقَهَا صَاحِبُهَا فَالْتَصَقَتْ وَثَبَتَتْ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ الْقِصَاصُ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْإِبَانَةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ الْإِبَانَةُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا قِصَاصَ فِيهَا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبِنْ عَلَى الدَّوَامِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ إبَانَةَ أُذُنِ الْجَانِي دَوَامًا. وَإِنْ سَقَطَتْ بَعْدَ ذَلِكَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، فَلَهُ الْقِصَاصُ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ.
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، إذَا لَمْ تَسْقُطْ: لَهُ دِيَةُ الْأُذُنِ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْأَوَّلِينَ إذَا اخْتَارَ الدِّيَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا عَقْلَ لَهَا إذَا عَادَتْ مَكَانَهَا، فَأَمَّا إنْ قَطَعَ بَعْضَ أُذُنِهِ فَالْتَصَقَ، فَلَهُ أَرْشُ الْجُرْحِ، وَلَا قِصَاصَ فِيهِ. وَإِنْ قَطَعَ أُذُنَ إنْسَانٍ، فَاسْتُوْفِيَ مِنْهُ، فَأَلْصَقَ الْجَانِي أُذُنَهُ فَالْتَصَقَتْ، وَطَلَبَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إبَانَتَهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ قَدْ حَصَلَتْ، وَالْقِصَاصُ قَدْ اُسْتُوْفِيَ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لَمْ يَقْطَعْ جَمِيعَ الْأُذُنِ، إنَّمَا قَطَعَ بَعْضَهَا فَالْتَصَقَ، كَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَطْعُ جَمِيعِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إبَانَةَ جَمِيعِهَا، وَلَمْ يَكُنْ إبَانَةٌ. وَالْحُكْمُ فِي السِّنِّ كَالْحُكْمِ فِي الْأُذُنِ.
[فَصْلٌ أَلْصَقَ أُذُنَهُ بَعْدَ إبَانَتِهَا أَوْ سِنَّهُ فَهَلْ تَلْزَمُهُ إبَانَتُهَا]
(٦٦٩٣) فَصْلٌ: وَمَنْ أَلْصَقَ أُذُنَهُ بَعْدَ إبَانَتِهَا، أَوْ سِنَّهُ، فَهَلْ تَلْزَمُهُ إبَانَتُهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، مَبْنِيَّانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، فِيمَا بَانَ مِنْ الْآدَمِيِّ، هَلْ هُوَ نَجِسٌ أَوْ طَاهِرٌ؟ إنْ قُلْنَا: هُوَ نَجِسٌ. لَزِمَتْهُ إزَالَتُهَا، مَا لَمْ يَخَفْ الضَّرَرَ بِإِزَالَتِهَا، كَمَا لَوْ جَبَرَ عَظْمَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ. وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهَا. لَمْ تَلْزَمْهُ إزَالَتُهَا. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَقَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ آدَمِيٍّ طَاهِرٍ فِي حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ، فَكَانَ طَاهِرًا كَحَالَةِ اتِّصَالِهِ، فَأَمَّا إنْ قَطَعَ بَعْضَ أُذُنِهِ فَالْتَصَقَ، لَمْ تَلْزَمْهُ إبَانَتُهَا؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ مَيْتَةً، لِعَدَمِ إبَانَتِهَا. وَلَا قِصَاصَ فِيهَا. قَالَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَقْطُوعِ مِنْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute