وَقَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ: لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا رَمَى مُنَكِّسًا يُعِيدُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا بَيْنَ يَدَيْ نُسُكٍ، فَلَا حَرَجَ» . وَلِأَنَّهَا مَنَاسِكُ مُتَكَرِّرَةٌ، فِي أَمْكِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ بَعْضُهَا تَابِعًا لِبَعْضٍ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ التَّرْتِيبُ فِيهَا، كَالرَّمْيِ وَالذَّبْحِ.
وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَتَّبَهَا فِي الرَّمْيِ، وَقَالَ: (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ مُتَكَرِّرٌ، فَاشْتُرِطَ التَّرْتِيبُ فِيهِ، كَالسَّعْيِ. وَحَدِيثُهُمْ إنَّمَا جَاءَ فِي مَنْ يُقَدِّمُ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ، لَا فِي تَقْدِيمِ بَعْضِ النُّسُكِ عَلَى بَعْضٍ. وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ. فَصْلٌ: وَإِنْ تَرَكَ الْوُقُوفَ عِنْدَهَا وَالدُّعَاءَ، تَرَكَ السُّنَّةَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، إلَّا الثَّوْرِيَّ.
قَالَ: يُطْعِمُ شَيْئًا، وَإِنْ أَرَاقَ دَمًا أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ، فَيَكُونُ نُسُكًا. وَلَنَا، أَنَّهُ دُعَاءُ وُقُوفٍ مَشْرُوعٍ لَهُ، فَلَمْ يَجِبْ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ، كَحَالَةِ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، وَكَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَلِأَنَّهَا إحْدَى الْجَمَرَاتِ، فَلَمْ يَجِبْ الْوُقُوفُ عِنْدَهَا وَالدُّعَاءُ، كَالْأُولَى، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ هَذَا نَدْبٌ.
[فَصْل لَا يَنْقُصَ فِي الرَّمْيِ عَنْ سَبْعِ حَصَيَات]
(٢٥٧٢) فَصْلٌ: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي الرَّمْيِ عَنْ سَبْعِ حَصَيَاتٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ. فَإِنْ نَقَصَ حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ، فَلَا بَأْسَ، وَلَا يَنْقُصُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَإِسْحَاقَ. وَعَنْهُ: إنْ رَمَى بِسِتٍّ نَاسِيًا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَمَّدَهُ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ، تَصَدَّقَ بِشَيْءِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: مَا أُبَالِي رَمَيْت بِسِتٍّ أَوْ سَبْعٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أَدْرِي رَمَاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسِتٍّ أَوْ سَبْعٍ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ عَدَدَ السَّبْعِ شَرْطٌ. وَنَسَبَهُ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى بِسَبْعٍ. وَقَالَ أَبُو حَيَّةَ: لَا بَأْسَ بِمَا رَمَى بِهِ الرَّجُلُ مِنْ الْحَصَى. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: صَدَقَ أَبُو حَيَّةَ. وَكَانَ أَبُو حَيَّةَ بَدْرِيًّا. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: سُئِلَ طَاوُسٌ عَنْ رَجُلٍ تَرَكَ حَصَاةً؟ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِتَمْرَةٍ أَوْ لُقْمَةٍ. فَذَكَرْت ذَلِكَ لِمُجَاهِدٍ، فَقَالَ: إنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ سَعْدٍ، قَالَ سَعْدٌ: رَجَعْنَا مِنْ الْحَجَّةِ مَعَ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضُنَا يَقُولُ: رَمَيْت بِسِتٍّ وَبَعْضُنَا يَقُولُ: بِسَبْعٍ فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَغَيْرُهُ وَمَتَى أَخَلَّ بِحَصَاةٍ وَاجِبَةٍ مِنْ الْأَوْلَى، لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute