وَجُمْلَتُهُ أَنَّ حُكْمَ الْعَقِيقَةِ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ؛ فِي سَنِّهَا، وَأَنَّهُ يُمْنَعُ فِيهَا مِنْ الْعَيْبِ مَا يُمْنَعُ فِيهَا، وَيُسْتَحَبُّ فِيهَا مِنْ الصِّفَةِ مَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا. وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: ائْتُونِي بِهِ أَعْيَنَ أَقْرَنَ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: لَذَكَرٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْأُنْثَى، وَالضَّأْنُ أَحَبُّ مِنْ الْمَعْزِ. فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا أَقَلُّ مِنْ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيِّ مِنْ الْمَعْزِ، وَلَا تَجُوزُ فِيهَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنَقَّى، وَالْعَضْبَاءُ الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ أُذُنِهَا أَوْ قَرْنِهَا. وَتُكْرَهُ فِيهَا الشَّرْقَاءُ، وَالْخَرْقَاءُ، وَالْمُقَابَلَةُ، وَالْمُدَابَرَةُ، وَيُسْتَحَبُّ اسْتِشْرَافُ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ سَوَاءً؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُهَا، فَتُقَاسُ عَلَيْهَا.
[مَسْأَلَة سَبِيل الْعَقِيقَة فِي الْأَكْلِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَة]
(٧٩٠٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَسَبِيلُهَا فِي الْأَكْلِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ سَبِيلُهَا، إلَّا أَنَّهَا تُطْبَخُ أَجْدَالًا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: اصْنَعْ بِلَحْمِهَا كَيْف شِئْت. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٌ: تُطْبَخُ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ، وَتُهْدَى الْجِيرَانَ وَالصَّدِيقَ، وَلَا يُتَصَدَّقُ مِنْهَا بِشَيْءٍ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْهَا، فَحَكَى قَوْلَ ابْنِ سِيرِينَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ذَهَبَ إلَيْهِ. وَسُئِلَ هَلْ يَأْكُلُهَا كُلَّهَا؟ قَالَ: لَمْ أَقُلْ يَأْكُلُهَا كُلَّهَا، وَلَا يَتَصَدَّقُ مِنْهَا بِشَيْءٍ. وَالْأَشْبَهُ قِيَاسُهَا عَلَى الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا نَسِيكَةٌ مَشْرُوعَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَأَشْبَهَتْ الْأُضْحِيَّةَ، وَلِأَنَّهَا أَشْبَهَتْهَا فِي صِفَاتِهَا وَسَنِّهَا وَقَدْرِهَا وَشُرُوطِهَا، فَأَشْبَهَتْهَا فِي مَصْرِفِهَا.
وَإِنْ طَبَخَهَا، وَدَعَا إخْوَانَهُ فَأَكَلُوهَا، فَحَسَنٌ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُفْصَلَ أَعْضَاؤُهَا، وَلَا تُكْسَرَ عِظَامُهَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: السُّنَّةُ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ عَنْ الْغُلَامِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ، تُطْبَخُ جُدُولًا، وَلَا يُكْسَرُ عَظْمٌ، يَأْكُلُ، وَيُطْعِمُ، وَيَتَصَدَّقُ، وَذَلِكَ يَوْمُ السَّابِعُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ فِي الْعَقِيقَةِ تُطْبَخُ جُدُولًا، لَا يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ. أَيْ عُضْوًا عُضْوًا، وَهُوَ الْجَدْلُ، بِالدَّالِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْإِرْبُ، وَالشِّلْوُ، وَالْعُضْوُ وَالْوَصْلُ، كُلُّهُ وَاحِدٌ. وَإِنَّمَا فُعِلَ بِهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ ذَبِيحَةٍ ذُبِحَتْ عَنْ الْمَوْلُودِ، فَاسْتُحِبَّ فِيهَا ذَلِكَ تَفَاؤُلًا بِالسَّلَامَةِ. كَذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
[فَصْلٌ يُبَاعُ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْجِلْدُ وَالرَّأْسُ وَالسِّقْطُ يَتَصَدَّق بِهِ]
(٧٩٠٣) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: يُبَاعُ الْجِلْدُ وَالرَّأْسُ وَالسِّقْطُ، يُتَصَدَّقُ بِهِ. وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُضْحِيَّةِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَهُوَ أَقْيَسُ فِي مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّهَا ذَبِيحَةٌ لِلَّهِ، فَلَا يُبَاعُ مِنْهَا شَيْءٌ، كَالْهَدْيِ، وَلِأَنَّهُ تُمْكِنُ الصَّدَقَةُ بِذَلِكَ بِعَيْنِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيْعِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُنْقَلَ حُكْمُ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى، فَيَخْرُج فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأُضْحِيَّةَ ذَبِيحَةٌ شُرِعَتْ يَوْمَ النَّحْرِ، فَأَشْبَهَتْ الْهَدْيَ، وَالْعَقِيقَةُ شُرِعَتْ عِنْدَ سُرُورِ حَادِثٍ، وَتَجَدُّدِ نِعْمَةٍ، فَأَشْبَهْت الذَّبِيحَةَ فِي الْوَلِيمَةِ، وَلِأَنَّ الذَّبِيحَةَ هَاهُنَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهَا مَا شَاءَ، مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ، وَالصَّدَقَةُ بِثَمَنِ مَا بِيعَ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ بِهِ فِي فَضْلِهَا، وَثَوَابِهَا، وَحُصُولِ النَّفْعِ بِهِ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute