للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدَيْهِ فَقَالَ عَلِيٌّ: إنَّ خَصْمِي لَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَجَلَسْت مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْك، وَلَكِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجَالِسِ» ذَكَرَهُ: أَبُو نُعَيْمٍ، فِي الْحِلْيَةِ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُضَيِّفَ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ صَاحِبِهِ، إمَّا أَنْ يُضَيِّفَهُمَا مَعًا أَوْ يَدَعَهُمَا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ: إنَّك خَصْمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: تَحُلُّ عَنَّا، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُضَيِّفُوا أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ» . وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ الْخَصْمَ مَيْلَ الْحَاكِمِ إلَى مَنْ أَضَافَهُ. وَلَا يُلَقِّنُ أَحَدَهُمَا حُجَّتَهُ، وَلَا مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى خَصْمِهِ، مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا الْإِقْرَارَ، فَيُلَقِّنَهُ الْإِنْكَارَ، أَوْ الْيَمِينَ فَيُلَقِّنَهُ النُّكُولَ، أَوْ النُّكُولَ، فَيُجْزِئَهُ عَلَى الْيَمِينِ، أَوْ يُحِسَّ مِنْ الشَّاهِدِ بِالتَّوَقُّفِ، فَيُجَسِّرَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ، أَوْ يَكُونَ مُقْدِمًا عَلَى الشَّهَادَةِ، فَيُوقِفَهُ عَنْهَا، أَوْ يَقُولَ لِأَحَدِهِمَا وَحْدَهُ: تَكَلَّمْ.

وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا فِيهِ إضْرَارٌ بِخَصْمِهِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْعَدْلَ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ لَقَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّارِقَ، فَقَالَ: " مَا أَخَالُكَ سَرَقْت ". وَقَالَ عُمَرُ لِزِيَادٍ: أَرْجُو أَنْ لَا يَفْضَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْك رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قُلْنَا: لَا يَرِدُ هَذَا الْإِلْزَامُ هَاهُنَا؛ فَإِنَّ هَذَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ وَحُدُودِهِ، وَلَا خَصْمَ لِلْمُقِرِّ، وَلَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ فِي تَلْقِينِهِ حَيْفٌ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ، وَلَا تَرْكٌ لِلْعَدْلِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَاَلَّذِي قُلْنَا فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَنِّتَ الشَّاهِدَ، وَلَا يُدَاخِلَهُ فِي كَلَامِهِ، وَيُعَنِّفَهُ فِي أَلْفَاظِهِ.

[فَصْلٌ حَضَرَ الْقَاضِي خُصُومٌ كَثِيرَة]

(٨٢٧٣) فَصْلٌ: وَإِذَا حَضَرَ الْقَاضِيَ خُصُومٌ كَثِيرَةٌ، قُدِّمَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَكْتُبُ مَنْ جَاءَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَيَقْدَمُهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الْأَحْسَنُ أَنْ يَتَّخِذَ خَيْطًا مَمْدُودًا، طَرَفُهُ يَلِي مَجْلِسَ الْحَاكِمِ، وَالطَّرَفُ الْآخَرُ مَجْلِسَ الْخُصُومِ، فَكُلُّ مَنْ جَاءَ كَتَبَ اسْمَهُ فِي رُقْعَةٍ، وَثَقَبَهَا، وَأَدْخَلَهَا فِي الْخَيْطِ مِمَّا يَلِي مَجْلِسَ الْخُصُومِ، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى آخِرِهِمْ، فَإِذَا جَلَسَ الْقَاضِي مَدَّ يَدَهُ إلَى الطَّرَفِ الَّذِي يَلِيهِ، فَأَخَذَ الرُّقْعَةَ الَّتِي تَلِيهِ، ثُمَّ الَّتِي بَعْدَهَا كَذَلِكَ، حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>