للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، وَفِيهِ: فَلَمَّا أَتَيَا بَابَ زَيْدٍ، خَرَجَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَرْسَلْت إلَيَّ لَأَتَيْتُك. قَالَ: فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحَكَمُ. فَلَمَّا دَخَلَا عَلَيْهِ، قَالَ: هَاهُنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: بَلْ أَجْلِسُ مَعَ خَصْمِي. فَادَّعَى أُبَيٌّ وَأَنْكَرَ عُمَرُ، وَلَمْ تَكُنْ لِأُبَيٍّ، بَيِّنَةٌ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَعْفِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْيَمِينِ.

فَقَالَ عُمَرُ: تَاللَّهِ إنْ زِلْت ظَالِمًا، السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. هَاهُنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. أَعْفِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. إنْ كَانَ لِي حَقٌّ اسْتَحْقَقْته بِيَمِينِي، وَإِلَّا تَرَكْته، وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، إنَّ النَّخْلَ لَنَخْلِي، وَمَا لِأُبَيٍّ فِيهَا حَقٌّ. ثُمَّ أَقْسَمَ عُمَرُ: لَا يُصِيبُ زَيْدٌ وَجْهَ الْقَضَاءِ حَتَّى يَكُونَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ عِنْدَهُ سَوَاءً. فَلَمَّا خَرَجَا وَهَبَ النَّخْلَ لِأُبَيٍّ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ، الْمُؤْمِنِينَ، فَهَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَحْلِفَ؟ قَالَ: خِفْت أَنْ أَتْرُكَ الْيَمِينَ، فَتَصِيرَ سُنَّةً، فَلَا يَحْلِفُ النَّاسُ عَلَى حُقُوقِهِمْ.

وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى شُرَيْحٍ، وَعِنْدَهُ السَّرِيُّ بْنُ وَقَّاصٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ لِشُرَيْحٍ: أَعِنِّي عَلَى هَذَا الْجَالِسِ عِنْدَك. فَقَالَ شُرَيْحٌ لِلسَّرِيِّ: قُمْ فَاجْلِسْ مَعَ خَصْمِك. قَالَ: إنِّي أُسْمِعُك مِنْ مَكَانِي. قَالَ: لَا قُمْ فَاجْلِسْ مَعَ خَصْمِك. فَأَبَى أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ حَتَّى أَجْلَسَهُ مَعَ خَصْمِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ إنَّ مَجْلِسَك يُرِيبُهُ، وَإِنِّي لَا أَدَعُ النُّصْرَةَ وَأَنَا عَلَيْهَا قَادِرٌ.

وَلَمَّا تَحَاكَمَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْيَهُودِيُّ إلَى شُرَيْحٍ، قَالَ عَلِيٌّ إنَّ خَصْمِي لَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَجَلَسْت مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْك وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ إذَا مَيَّزَ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ حُصِرَ، وَانْكَسَرَ قَلْبُهُ وَرُبَّمَا لَمْ تَقُمْ حُجَّتُهُ، فَأَدَّى ذَلِكَ إلَى ظُلْمَةٍ.

وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ لِلْحَاكِمِ فِي رَفْعِ الْخَصْمِ الْآخَرِ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَلَا يَنْكَسِرُ قَلْبُهُ إذَا كَانَ هُوَ الَّذِي رَفَعَهُ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ أَنَّ خَصْمِي مُسْلِمٌ لَجَلَسْت مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْك. وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَمْكَنُ لِلْحَاكِمِ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمَا، وَالنَّظَرِ فِي خُصُومَتِهِمَا.

وَإِنْ كَانَ الْخَصْمَانِ ذِمِّيَّيْنِ، سَوَّى بَيْنَهُمَا أَيْضًا؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي دِينِهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا، جَازَ رَفْعُ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، قَالَ: وَجَدَ عَلِيٌّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، دِرْعَهُ مَعَ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: دِرْعِي، سَقَطَتْ وَقْتَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: دِرْعِي، وَفِي يَدِي، بَيْنِي وَبَيْنَك قَاضِي الْمُسْلِمِينَ، فَارْتَفَعَا إلَى شُرَيْحٍ، فَلَمَّا رَآهُ شُرَيْحٌ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، وَأَجْلِسَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَجَلَسَ مَعَ الْيَهُودِيِّ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>