للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النور: ٥٨] .

ثُمَّ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى النِّسَاءِ، لَحَصَلَ مِنْ نَفْعِهِ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ مِنْ دُخُولِهِ، وَفَوَاتُ شَيْءٍ إلَى مَا هُوَ أَنْفَعُ مِنْهُ لَا يُعَدُّ فَوَاتًا، كَمَنْ اشْتَرَى بِدِرْهَمِ مَا يُسَاوِي عَشْرَةً، لَا يُعَدُّ فَوَاتًا وَلَا خُسْرَانًا، وَلَا يُعْتَبَرُ لَوْنُ الْغُرَّةِ. وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، أَنَّ الْغُرَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَيْضَاءَ، وَلَا يُقْبَلُ عَبْدٌ أَسْوَدُ، وَلَا جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِعَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، وَأَطْلَقَ مَعَ غَلَبَةِ السَّوَادِ عَلَى عَبِيدِهِمْ وَإِمَائِهِمْ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَجِبُ دِيَةً، فَلَمْ يُعْتَبَرْ لَوْنُهُ، كَالْإِبِلِ فِي الدِّيَةِ.

[الْفَصْلُ الرَّابِعُ قِيمَةُ الْغُرَّةُ]

(٦٨٤٥) الْفَصْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْغُرَّةَ قِيمَتُهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَهِيَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَزَيْدٍ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَرَبِيعَةُ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ فِي الْجِنَايَاتِ، وَهُوَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَدِيَةُ السِّنِّ، فَرَدَدْنَاهُ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ وَجَبَ فِي الْأُنْمُلَةِ ثَلَاثُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثٌ، وَذَلِكَ دُونَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ. قُلْنَا: الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُرَّةً قِيمَتُهَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَإِذَا كَانَ أَبَوَا الْجَنِينِ كِتَابِيَّيْنِ، فَفِيهِ غُرَّةٌ قِيمَتُهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْغُرَّةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْمُسْلِمِ. وَفِي جَنِينِ الْمَجُوسِيَّةِ غُرَّةٌ قِيمَتُهَا أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.

وَإِذَا تَعَذَّرَ وُجُودُ غُرَّةٍ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، وَجَبَتْ الدَّرَاهِمُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ. وَإِذَا اتَّفَقَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ مِنْ الْأُصُولِ كُلِّهَا، بِأَنْ تَكُونَ قِيمَتُهَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ وَخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتّمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْإِبِلِ، فَنِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ مِنْ غَيْرِهَا، مِثْلُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْإِبِلِ أَرْبَعِينَ دِينَارًا أَوْ أَرْبَعمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهَا تُقَوَّمُ بِالْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ. وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا، تُقَوَّمُ بِالذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ، فَجَعَلَ قِيمَتَهَا خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتّمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَا، قُوِّمَتْ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ بِهِ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ جَمِيعًا، قَوَّمَهَا مَنْ هِيَ عَلَيْهِ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْخِيَرَةَ إلَى الْجَانِي فِي دَفْعِ مَا شَاءَ مِنْ الْأُصُولِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُقَوَّمَ بِأَدْنَاهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِذَلِكَ. وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْغُرَّةَ، انْتَقَلَ إلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ. عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ، يَنْتَقِلُ إلَى خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتّمِائَةِ دِرْهَمٍ.

[الْفَصْلُ الْخَامِسُ الْغُرَّةُ مَوْرُوثَة عَنْ الْجَنِينِ]

(٦٨٤٦) الْفَصْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْغُرَّةَ مَوْرُوثَةٌ عَنْ الْجَنِينِ، كَأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا؛ لِأَنَّهَا دِيَةٌ لَهُ، وَبَدَلٌ عَنْهُ، فَيَرِثُهَا وَرَثَتُهُ، كَمَا لَوْ قُتِلَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا تُورَثُ، بَلْ تَكُونُ بَدَلَهُ لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، فَأَشْبَهَ يَدَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>