إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ بَيْن عِلْمِهِ بِكَوْنِهَا مِنْهُ، مِثْلُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَحْفَظَهَا حَتَّى تَضَعَ، أَوْ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ، فَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ لَا يُعْلَمُ هَلْ هُوَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؟ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى جَمِيعِهِمْ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهَا بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِمْ. وَالثَّانِي، أَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا بِنْتُ بَعْضِهِمْ، فَتَحْرُمْ عَلَى الْجَمِيعِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ، وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا، وَتَحْرُمُ عَلَى أَوْلَادِهِمْ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ بَعْضِهِمْ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَإِنْ أَلْحَقَتْهَا الْقَافَةُ بِأَحَدِهِمْ، حَلَّتْ لِأَوْلَادِ الْبَاقِينَ، وَلَمْ تَحِلَّ لَأَحَدٍ مِمَّنْ وَطِئَ أُمَّهَا؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى رَبِيبَتِهِ.
[فَصْلٌ وَطْءُ الْمَيِّتَةِ]
(٥٣٥٩) فَصْلٌ: وَوَطْءُ الْمَيِّتَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ، فَلَمْ يَخْتَصَّ بِالْحَيَاةِ كَالرَّضَاعِ. وَالثَّانِي، لَا يَنْشُرُهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْبَعْضِيَّةِ، وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَعَلَّقُ بِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْوَطْءِ، وَالْمَوْتُ يُبْطِلُ الْمَنَافِعَ. وَأَمَّا الرَّضَاعُ، فَيُحَرِّمُ؛ لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنْ إنْبَاتِ اللَّحْمِ وَإِنْشَازِ الْعَظْمِ، وَهَذَا يَحْصُلُ مِنْ لَبَنِ الْمَيِّتَةِ. وَفِي وَطْءِ الصَّغِيرَةِ أَيْضًا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَنْشُرُهَا.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَآدَمِيَّةٍ حَيَّةٍ فِي الْقُبُلِ، أَشْبَهَ وَطْءَ الْكَبِيرَةِ. وَالثَّانِي، لَا يَنْشُرُهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْبَعْضِيَّةِ أَشْبَهَ وَطْءَ الْمَيِّتَةِ.
[فَصْلٌ الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ]
(٥٣٦٠) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، لَمْ تَنْشُرْ الْحُرْمَةَ. بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. وَإِنْ كَانَتْ لَشَهْوَةٍ، وَكَانَتْ فِي أَجْنَبِيَّةٍ، لَمْ تَنْشُرْ الْحُرْمَةَ أَيْضًا. قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ نَظَرَ إلَى أُمِّ امْرَأَتِهِ فِي شَهْوَةٍ، أَوْ قَبَّلَهَا، أَوْ بَاشَرَهَا. فَقَالَ: أَنَا أَقُولُ لَا يُحَرِّمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْجِمَاعَ. وَكَذَلِكَ نَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَإِنْ كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ لِامْرَأَةٍ مُحَلَّلَةٍ لَهُ، كَامْرَأَتِهِ، أَوْ مَمْلُوكَتِهِ، لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ ابْنَتُهَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُحَرِّمُ الرَّبِيبَةَ إلَّا جِمَاعُ أُمِّهَا. وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٣] . وَهَذَا لَيْسَ بِدُخُولٍ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ النَّصِّ الصَّرِيحِ مِنْ أَجْلِهِ. وَأَمَّا تَحْرِيمُ أُمِّهَا، وَتَحْرِيمُهَا عَلَى أَبِي الْمُبَاشِرِ لَهَا وَابْنِهِ؛ فَإِنَّهَا فِي النِّكَاحِ تُحَرَّمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ، فَلَا يَظْهَرُ لِلْمُبَاشَرَةِ أَثَرٌ. وَأَمَّا الْأَمَةُ، فَمَتَى بَاشَرَهَا دُونَ الْفَرْجِ لَشَهْوَةٍ، فَهَلْ يَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَنْشُرُهَا.
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمَسْرُوقٍ. وَبِهِ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنُ، وَمَكْحُولٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ. وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute