إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " دَعِي عُمْرَتَك، وَانْقُضِي رَأْسَك، وَامْتَشِطِي ". وَإِنْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِالْغُسْلِ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْمَشْطِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَوْلَى.
[فَصْلٌ غَسْلُ بَشَرَةِ الرَّأْسِ وَاجِبٌ]
(٣١٨) فَصْلٌ: وَغَسْلُ بَشَرَةِ الرَّأْسِ وَاجِبٌ، سَوَاءٌ كَانَ الشَّعْرُ كَثِيفًا أَوْ خَفِيفًا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ، كَجِلْدِ اللِّحْيَةِ، وَغَيْرِهَا؛ لِمَا رَوَتْ «أَسْمَاءُ، أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: تَأْخُذُ مَاءً، فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، أَوْ تَبْلُغُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا، فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ» . وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فُعِلَ بِهِ مِنْ النَّارِ كَذَا وَكَذَا» . قَالَ عَلِيٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْت شَعْرِي. قَالَ: وَكَانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ بَشَرَةٌ أَمْكَنَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَلَزِمَهُ كَسَائِرِ بَشَرَتِهِ.
[فَصْلٌ غَسْلُ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ الشَّعْرِ وَبَلُّ مَا عَلَى الْجَسَدِ مِنْهُ]
(٣١٩) فَصْلٌ: فَأَمَّا غَسْلُ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ الشَّعْرِ، وَبَلُّ مَا عَلَى الْجَسَدِ مِنْهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَجِبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ، فَبُلُّوا الشَّعْرَ، وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّهُ شَعْرٌ نَابِتٌ فِي مَحَلِّ الْغُسْلِ، فَوَجَبَ غَسْلُهُ، كَشَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ.
وَالثَّانِي لَا يَجِبُ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ". مَعَ إخْبَارِهَا إيَّاهُ بِشَدِّ ضَفْرِ رَأْسِهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَبُلُّ الشَّعْرَ الْمَشْدُودَ ضَفْرُهُ فِي الْعَادَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ بَلُّهُ لَوَجَبَ نَقْضُهُ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْغُسْلَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الشَّعْرَ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِمَوْتِهِ، وَلَا حَيَاةَ فِيهِ، وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَسُّهُ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَلَا تَطْلُقُ بِطَلَاقِهِ، فَلَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ لِلْجَنَابَةِ كَثِيَابِهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ: " بُلُّوا الشَّعْرَ ". فَيَرْوِيهِ الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ وَحْدَهُ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ. وَأَمَّا الْحَاجِبَانِ فَيَجِبُ غَسْلُهُمَا؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ غَسْلِ بَشَرَتِهِمَا غَسْلُهُمَا.
وَكَذَا كُلُّ شَعْرٍ مِنْ ضَرُورَةِ غَسْلِ بَشَرَتِهِ غَسْلُهُ، فَيَجِبُ غَسْلُهُ؛ ضَرُورَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ. وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ غَسْلِهِ، فَتَرَكَ غَسْلَ بَعْضِهِ، لَمْ يَتِمَّ غُسْلُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute