الْبُلْدَانِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى الْحَرَمِ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ أَلَيْسَتْ الْبَلْدَةَ الْحَرَامَ؟ قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعْظَمُ الْبِلَادِ حُرْمَةً، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ رَجُلٌ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، وَرَجُلٌ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، وَرَجُلٌ قَتَلَ بِدَخْلِ الْجَاهِلِيَّةِ» .
وَتَحْرِيمُ الصَّيْدِ لَيْسَ هُوَ الْعِلَّةَ فِي التَّغْلِيظِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤَثِّرِ فَقَدْ خَالَفَ تَحْرِيمُهُ تَحْرِيمَ الْحَرَمِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى مَنْ قَتَلَ فِيهِ صَيْدًا. وَلَا يَحْرُمُ الرَّعْيُ فِيهِ، وَلَا الِاحْتِشَاشُ مِنْهُ، وَلَا مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الرَّحْلِ وَالْعَارِضَةِ وَالْقَائِمَةِ وَشِبْهِهِ.
[مَسْأَلَةٌ فِي تَحْمِل الْعَاقِلَة الدِّيَة خَمْسُ مَسَائِل]
[الْمَسْأَلَة الْأُولَى الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْعَبْدَ]
(٦٧٩٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَالْعَاقِلَةُ لَا تَحْمِلُ الْعَبْدَ، وَلَا الْعَمْدَ، وَلَا الصُّلْحَ، وَلَا الِاعْتِرَافَ، وَمَا دُونَ الثُّلُثِ. فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسُ مَسَائِلَ: (٦٧٩٤) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْعَبْدَ. يَعْنِي إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ قَاتِلٌ، وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، خَطَأً كَانَ أَوْ عَمْدًا. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْبَتِّيِّ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ يَجِبُ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ وَالْكَفَّارَةُ، فَحَمَلَتْ الْعَاقِلَةُ بَدَلَهُ، كَالْحُرِّ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَالْمَذْهَبَيْنِ، وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي دِيَةِ أَطْرَافِهِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا.» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِيمَةٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ، فَلَمْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ، كَسَائِرِ الْقِيَمِ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ قِيمَةَ أَطْرَافِهِ، فَلَمْ تَحْمِلْ الْوَاجِبَ فِي نَفْسِهِ، كَالْفَرَسِ. وَبِهَذَا فَارَقَ الْحُرَّ.
[الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةَ دِيَة مَا يَجِبُ فِي الْقِصَاصِ]
(٦٧٩٥) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ، أَوْ لَا يَجِبُ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ دِيَةَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ بِكُلِّ حَالٍ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهَا تَحْمِلُ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا قِصَاصَ فِيهَا، كَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ. وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ لَا قِصَاصَ فِيهَا، أَشْبَهَتْ جِنَايَةَ الْخَطَأِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute