للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْتَضِي حِفْظَ الْمَالِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِالْخُصُومَةِ وَالْمُطَالَبَةِ، سِيَّمَا إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ رَبِّ الْمَالِ، إمَّا لِسَفَرِ الْمُضَارِبِ، أَوْ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنَّهُ لَا يُطَالِبَ بِهِ إلَّا الْمُضَارِبُ، فَإِنْ تَرَكَهُ ضَاعَ. فَعَلَى هَذَا إنْ تَرَكَ الْخُصُومَةَ وَالطَّلَبَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، غَرِمَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّعَهُ وَفَرَّطَ فِيهِ.

وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ حَاضِرًا، وَعَلِمَ الْحَالَ، لَمْ يَلْزَمْ الْعَامِلَ طَلَبُهُ، وَلَا يَضْمَنُهُ إذَا تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ وَكِيلِهِ.

[فَصْل اشْتَرَى لِلْمُضَارَبَةِ عَبْدًا فَقَتَلَهُ عَبْدٌ لِغَيْرِهِ]

(٣٦٨٥) فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَرَى لِلْمُضَارَبَةِ عَبْدًا، فَقَتَلَهُ عَبْدٌ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، فَالْأَمْرُ إلَى رَبِّ الْمَالِ، إنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ، وَتَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ؛ لِذَهَابِ رَأْسِ الْمَالِ. وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَلَى مَالٍ، فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ مِثْلِ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ، فَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَدَلٌ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَ بَدَلَهُ بِالْبَيْعِ

وَإِنْ كَانَ فِي الْعَبْدِ رِبْحٌ، فَالْقِصَاصُ إلَيْهِمَا، وَالْمُصَالَحَةُ كَذَلِكَ؛ لِكَوْنِهِمَا شَرِيكَيْنِ فِيهِ. وَالْحُكْمُ فِي انْفِسَاخِ الْمُضَارَبَةِ وَبَقَائِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

[مَسْأَلَةٌ لَا رِبْح لِلْمُضَارَبَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ]

(٣٦٨٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ رِبْحٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ)

يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يُسَلِّمَ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّهِ، وَمَتَى كَانَ فِي الْمَالِ خُسْرَانٌ، وَرِبْحٌ، جُبِرَتْ الْوَضِيعَةُ مِنْ الرِّبْحِ، سَوَاءٌ كَانَ الْخُسْرَانُ وَالرِّبْحُ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ الْخُسْرَانُ فِي صَفْقَةٍ وَالرِّبْحُ فِي أُخْرَى، أَوْ أَحَدُهُمَا فِي سَفْرَةٍ وَالْآخَرُ فِي أُخْرَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى الرِّبْحِ هُوَ الْفَاضِلُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَمَا لَمْ يَفْضُلْ فَلَيْسَ بِرِبْحِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَأَمَّا مِلْكُ الْعَامِلِ لِنَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَثْبُتُ.

هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَذْهَبًا. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُمَلِّكْهُ بِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ لَاخْتَصَّ بِرِبْحِهِ، وَلَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لِرَبِّ الْمَالِ، كَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ.

وَلَنَا، أَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ، فَيَثْبُتُ مُقْتَضَاهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِذَا وُجِدَ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَهُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ، كَمَا يَمْلِكُ الْمُسَاقِي حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ لِظُهُورِهَا، وَقِيَاسًا عَلَى كُلِّ شَرْطٍ صَحِيحٍ فِي عَقْدٍ، وَلِأَنَّ هَذَا الرِّبْحَ مَمْلُوكٌ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَالِكٍ، وَرَبُّ الْمَالِ لَا يَمْلِكُهُ اتِّفَاقًا، وَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْمِلْكِ فِي حَقِّهِ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُضَارِبِ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِالْقِسْمَةِ؛ فَكَانَ مَالِكًا كَأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ.

وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَمْلِكَهُ، وَيَكُونَ وِقَايَةً لِرَأْسِ الْمَالِ، كَنَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ، وَبِهَذَا امْتَنَعَ اخْتِصَاصُهُ بِرِبْحِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ اخْتَصَّ بِرِبْحِ نَصِيبِهِ لَاسْتَحَقَّ مِنْ الرِّبْحِ أَكْثَرَ مِمَّا شَرَطَ لَهُ، وَلَا يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ. قَالَ أَحْمَدُ إذَا وَطِئَ الْمُضَارِبُ جَارِيَةً مِنْ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ رِبْحٌ، فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>