الشَّافِعِيِّ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ الْقَاضِي، أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ، فَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، كَالْحُدُودِ، وَلِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ، فَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، كَمَا قَبْلَ الْحَوْلِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ، كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ، وَالْحَدُّ يَسْقُطُ بِفَوَاتِ مَحِلِّهِ، وَتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ، بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ. وَفَارَقَ الْإِسْلَامَ؛ فَإِنَّهُ الْأَصْلُ، وَالْجِزْيَةُ بَدَلٌ عَنْهُ، فَإِذَا أَتَى بِالْأَصْلِ اسْتَغْنَى عَنْ الْبَدَلِ، كَمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى التَّيَمُّمِ، بِخِلَافِ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ، يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَعَاذًا مِنْ الْجِزْيَةِ، كَمَا ذَكَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْمَوْتُ بِخِلَافِهِ.
[فَصْلٌ اجْتَمَعَتْ الْجِزْيَة عَلَيْهِ سِنِينَ]
(٧٦٦٧) فَصْلٌ: وَلَا تَتَدَاخَلُ الْجِزْيَةُ، بَلْ إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ، اُسْتُوْفِيَتْ مِنْهُ كُلُّهَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَتَدَاخَلُ؛ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ، فَتَتَدَاخَلُ، كَالْحُدُودِ. وَلَنَا، أَنَّهَا حَقُّ مَالٍ، يَجِبُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ، فَلَمْ تَتَدَاخَلْ، كَالدِّيَةِ.
[مَسْأَلَةٌ أُعْتِقَ لَزِمَتْهُ الْجِزْيَةُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ]
(٧٦٦٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا أُعْتِقَ، لَزِمَتْهُ الْجِزْيَةُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتِقُ لَهُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا هَذَا الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، يُقَرُّ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ الشَّعْبِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ شُعْبَةٌ مِنْ الرِّقِّ، وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ. وَوَهَّنَ الْخِلَالُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ، رَجَعَ عَنْهُ أَحْمَدُ، وَالْعَمَلُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَنْ مَالِكٍ كَقَوْلِ الْجَمَاعَةِ. وَعَنْهُ، إنْ كَانَ الْمُعْتَقُ لَهُ مُسْلِمًا، فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ عَلَيْهِ الْوَلَاءَ لِمُسْلِمٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ الرِّقُّ. وَلَنَا، أَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ مُوسِرٌ مِنْ أَهْلِ الْقَتْلِ، فَلَمْ يُقَرَّ فِي دَارِنَا بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، كَالْحُرِّ الْأَصْلِيِّ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ حُكْمَهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ جِزْيَتِهِ حُكْمُ مَنْ بَلَغَ مِنْ صِبْيَانِهِمْ، أَوْ أَفَاقَ مِنْ مَجَانِينُهُمْ، عَلَى مَا مَضَى.
[مَسْأَلَةٌ الْجِزْيَةُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ]
(٧٦٦٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَمَوَاشِيهمْ وَثَمَرِهِمْ، مِثْلَيْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَنُو تَغْلِبَ بْنِ وَائِلٍ، مِنْ الْعَرَبِ، مِنْ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ، انْتَقَلُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ، فَدَعَاهُمْ عُمَرُ إلَى بَذْلِ الْجِزْيَةِ، فَأَبَوْا، وَأَنِفُوا، وَقَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ، خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ عُمَرُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute