للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَلِي عَلَى بَعْضٍ، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، كَالْمُسْلِمِينَ.

وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] . وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِذِي عَدْلٍ، وَلَا هُوَ مِنَّا، وَلَا مِنْ رِجَالِنَا، وَلَا مِمَّنْ نَرْضَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِ، فَلَا تُقْبَلُ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ، كَالْحَرْبِيِّ، وَالْخَبَرُ يَرْوِيه مُجَالِدٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ ثَبَتَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْيَمِينَ، فَإِنَّهَا تُسَمَّى شَهَادَةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي اللِّعَانِ: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: ٦] .

وَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَمُتَعَلِّقُهَا الْقَرَابَةُ وَالشَّفَقَةُ، وَقَرَابَتُهُمْ ثَابِتَةٌ، وَشَفَقَتُهُمْ كَشَفَقَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَازَتْ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ غَيْرَ أَهْلِ دِينِهِمْ لَا يَلِي عَلَيْهِمْ، وَالْحَاكِمُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لَكَثْرَتِهِمْ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهَا مُمْكِنَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ دِينٍ إلَّا الْمُسْلِمِينَ» ؛ فَإِنَّهُمْ عُدُولٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَعَلَى غَيْرِهِمْ.

[مَسْأَلَة شَهَادَةُ خَصْمٍ أَوْ جَارٍ إلَى نَفْسِهِ]

(٨٣٧٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ، وَلَا جَارٍ إلَى نَفْسِهِ، وَلَا دَافِعٍ عَنْهَا) أَمَّا الْخَصْمُ، فَهُوَ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا، كُلُّ مَنْ خَاصَمَ فِي حَقٍّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهِ كَالْوَكِيلِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ، وَلَا الْوَصِيِّ فِيمَا هُوَ وَصِيٌّ فِيهِ، وَلَا الشَّرِيكِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ، وَلَا الْمُضَارِبِ بِمَالٍ أَوْ حَقٍّ لِلْمُضَارَبَةِ. وَلَوْ غَصَبَ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُودَعِ، وَطَالَبَ بِهَا، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ، فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بِهِ، كَالْمَالِكِ.

وَالثَّانِي، الْعَدُوُّ، فَشَهَادَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى عَدُوِّهِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَيُرِيدُ بِالْعَدَاوَةِ هَاهُنَا الْعَدَاوَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ، مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ الْمَقْذُوفُ عَلَى الْقَاذِفِ، وَالْمَقْطُوعُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ عَلَى الْقَاطِعِ، وَالْمَقْتُولُ وَلِيُّهُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَالْمَجْرُوحُ عَلَى الْجَارِحِ، وَالزَّوْجُ يَشْهَدُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالزِّنَى، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَاوَتِهِ لَهَا، لِإِفْسَادِهَا فِرَاشَهُ.

فَأَمَّا الْعَدَاوَةُ فِي الدِّينِ، كَالْمُسْلِمِ يَشْهَدُ عَلَى الْكَافِرِ، أَوْ الْمُحِقِّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَشْهَدُ عَلَى مُبْتَدَعٍ، فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ بِالدِّينِ، وَالدِّينُ يَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورِ دِينِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَمْنَعُ الْعَدَاوَةُ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ، فَلَا تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ، كَالصَّدَاقَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>