للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل كَانَتْ الشَّجَّةُ فَوْقَ الْمُوضِحَةِ]

(٦٦٨٩) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ فَوْقَ الْمُوضِحَةِ، فَأُحِبُّ أَنْ يَقْتَصَّ مُوضِحَةً، جَازَ ذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَصُّ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ، وَيَقْتَصُّ مِنْ مَحَلِّ جِنَايَتِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَضَعُ السِّكِّينَ فِي مَوْضِعٍ وَضَعَهَا الْجَانِي؛ لِأَنَّ سِكِّينَ الْجَانِي وَصَلَتْ إلَى الْعَظْمِ، ثُمَّ تَجَاوَزَتْهُ، بِخِلَافِ قَاطِعِ السَّاعِدِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَضَعْ سِكِّينَهُ فِي الْكُوعِ. وَهَلْ لَهُ أَرْشُ مَا زَادَ عَلَى الْمُوضِحَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ:؛ أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ جُرْحٌ وَاحِدٌ، فَلَا يُجْمَعُ فِيهِ بَيْن قِصَاصٍ وَدِيَةٍ، كَمَا لَوْ قَطَعَ الشَّلَّاءَ بِالصَّحِيحَةِ، وَكَمَا فِي الْأَنْفُسِ إذَا قُتِلَ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ، وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ. وَالثَّانِي: لَهُ أَرْشُ مَا زَادَ عَلَى الْمُوضِحَةِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ فِيهِ، فَانْتَقَلَ إلَى الْبَدَلِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ إصْبَعَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِيفَاءُ إلَّا مِنْ وَاحِدَةٍ. وَفَارَقَ الشَّلَّاءَ بِالصَّحِيحَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ ثَمَّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَلَيْسَتْ مُتَمَيِّزَةً، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.

[مَسْأَلَةٌ تُقْطَعُ الْأُذُنُ بِالْأُذُنِ]

(٦٦٩٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَتُقْطَعُ الْأُذُنُ بِالْأُذُنِ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْأُذُنَ تُؤْخَذُ بِالْأُذُنِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ} [المائدة: ٤٥] . وَلِأَنَّهَا تَنْتَهِي إلَى حَدٍّ فَاصِلٍ، فَأَشْبَهَتْ الْيَدَ. وَتُؤْخَذُ الْكَبِيرَةُ بِالصَّغِيرَةِ، وَتُؤْخَذُ أُذُنُ السَّمِيعِ بِأُذُنِ السَّمِيعِ، وَتُؤْخَذُ أُذُنُ الْأَصَمِّ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِتَسَاوِيهِمَا، فَإِنَّ ذَهَابَ السَّمْعِ نَقْصٌ فِي الرَّأْسِ، لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ، وَلَيْسَ بِنَقْصٍ فِيهِمَا. وَتُؤْخَذُ الصَّحِيحَةُ بِالْمَثْقُوبَةِ؛ لِأَنَّ الثَّقْبَ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَإِنَّمَا يُفْعَلُ فِي الْعَادَةِ لِلْقُرْطِ وَالتَّزَيُّنِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الثُّقْبُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، أَوْ كَانَتْ مَخْرُومَةً، أُخِذَتْ بِالصَّحِيحَةِ، وَلَمْ تُؤْخَذْ الصَّحِيحَةُ بِهَا؛ لِأَنَّ الثُّقْبَ إذَا انْخَرَمَ صَارَ نَقْصًا فِيهَا، وَالثَّقْبُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ عَيْبٌ، وَيُخَيَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ إلَّا قَدْرَ النَّقْصِ، وَبَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ فِيمَا سِوَى الْمَعِيبِ وَيَتْرُكَهُ مِنْ أُذُنِ الْجَانِي.

وَفِي وُجُوبِ الْحُكُومَةِ لَهُ فِي قَدْرِ الثُّقْبِ وَجْهَانِ. وَإِنْ قُطِعَتْ بَعْضُ أُذُنِهِ، فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ أُذُنِ الْجَانِي وَتَقْدِيرُ ذَلِكَ بِالْأَجْزَاءِ، فَيُؤْخَذُ النِّصْفُ بِالنِّصْفِ، وَالثُّلُثُ بِالثُّلُثِ، وَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَا يُجْزِئُ الْقِصَاصُ فِي الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَهِي إلَى حَدٍّ. وَلَنَا، أَنَّهُ يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْمَقْطُوعِ، وَلَيْسَ فِيهَا كَسْرُ عَظْمٍ، فَجَرَى الْقِصَاصُ فِي بَعْضِهَا، كَالذَّكَرِ، وَبِهَذَا يَنْتَقِضُ مَا ذَكَرُوهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>