للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ مَضَى عَلَيْهِ أَحْوَالٌ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً مَضَى عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا، وَجَبَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِائَةَ دِينَارٍ، فَعَلَيْهِ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي تَنْقِيصِ النِّصَابِ.

لَكِنْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ مِنْهُ، احْتَمَلَ أَنْ تَسْقُطَ الزَّكَاةُ فِي قَدْرِهَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِهَذَا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُسْقِطُ نَفْسَهُ، وَقَدْ يُسْقِطُ غَيْرَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْمَاءِ بِالنَّجَاسَةِ فِي مَحَلِّهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ طَهَارَتِهَا وَإِزَالَتِهَا بِهِ، وَيَمْنَعُ إزَالَةَ نَجَاسَةِ غَيْرِهَا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الْأُولَى. وَإِنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ. وَكَانَ النِّصَابُ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ، فَحَالَتْ عَلَيْهِ أَحْوَالٌ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهَا، تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ النِّصَابِ بِقَدْرِهِ، فَإِنْ كَانَ نِصَابًا لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، فِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ نَقَصَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ عَزَلَ قَدْرَ فَرْضِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ زَكَاةُ مَا بَقِيَ.

وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَقَالَ، فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: إذَا كَانَتْ الْغَنَمُ أَرْبَعِينَ، فَلَمْ يَأْتِهِ الْمُصَدِّقُ عَامَيْنِ، فَإِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاةً، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْبَاقِي، وَفِيهِ خِلَافٌ. وَقَالَ، فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: إذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ مِائَتَا دِرْهَمٍ، فَلَمْ يُزَكِّهَا حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ آخَرُ، يُزَكِّيهَا لِلْعَامِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَصِيرُ مِائَتَيْنِ غَيْرَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ. وَقَالَ، فِي رَجُلٍ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يُزَكِّهَا سِنِينَ: يُزَكِّي فِي أَوَّلِ سَنَةٍ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ نُتِجَتْ سَخْلَةً فِي كُلّ حَوْلٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ فِي كُلّ سَنَةٍ شَاةٌ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ كَمَلَ بِالسَّخْلَةِ الْحَادِثَةِ، فَإِنْ كَانَ نَتَاجُ السَّخْلَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ بِمُدَّةٍ، اُسْتُؤْنِفَ الْحَوْلُ الثَّانِي مِنْ حِينِ نُتِجَتْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَمَلَ.

[فَصْلُ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا أَحْوَالًا]

فَصْلٌ: فَإِنْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا أَحْوَالًا، فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ شَاةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: الْمَالُ غَيْرُ الْإِبِلِ إذَا أُدِّيَ مِنْ الْإِبِلِ، لَمْ يَنْقُصْ، وَالْخَمْسُ بِحَالِهَا، وَكَذَلِكَ مَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ، لَا تَنْقُصُ زَكَاتُهَا فِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَجِبُ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِالْعَيْنِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ زَكَاتَهَا تَنْقُصُ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَمَضَى عَلَيْهَا أَحْوَالٌ، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِيهَا إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا نَقَصَتْ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ عَنْ خَمْسٍ كَامِلَةٍ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيهَا شَيْءٌ، كَمَا لَوْ مَلَكَ أَرْبَعًا وَجُزْءًا مِنْ بَعِيرٍ.

وَلَنَا، أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ غَيْرِ النِّصَابِ، فَلَمْ يَنْقُصْ بِهِ النِّصَابُ، كَمَا لَوْ أَدَّاهُ، وَفَارَقَ سَائِرَ الْمَالِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِعَيْنِهِ، فَيَنْقُصُهُ، كَمَا لَوْ أَدَّاهُ مِنْ النِّصَابِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، فَحَالَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>