وَقُوِّمَ عَلَيْهِ، وَلَا يَقَعُ إعْتَاقُ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ، سَبَقَتْ، فَمَنَعَتْ عِتْقَ الشَّرِيكِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ عِتْقَ نَصِيبِهِ سَبَبٌ لِلسِّرَايَةِ، وَشَرْطٌ لِعِتْقِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ، فَلَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ؛ لِوُجُودِهِمَا فِي حَالٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ يُرَجَّحُ وُقُوعُ عِتْقِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ، وَالسِّرَايَةُ تَقَعُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَكَانَ نُفُوذُ عِتْقِ الشَّرِيكِ أَوْلَى. وَلِأَنَّ سِرَايَةَ الْعِتْقِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ لِكَوْنِهَا إتْلَافًا لِمِلْكِ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَإِلْزَامًا لِلْمُعْتِقِ غَرَامَةً لَمْ يَلْتَزِمْهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِمَصْلَحَةِ تَكْمِيلِ الْعِتْقِ، فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ بِإِعْتَاقِ الْمَالِكِ، كَانَ أَوْلَى. وَإِنْ قَالَ: إذَا أَعْتَقْت نَصِيبَك، فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَ إعْتَاقِكَ نَصِيبَك. وَقَعَا مَعًا، إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ. وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ أَنْ يَعْتِقَ كُلُّهُ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَلَا يَقَعَ إعْتَاقُ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ فِي زَمَنٍ مَاضٍ.
وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، مِمَّنْ قَالَ بِسِرَايَةِ الْعِتْقِ، أَنْ لَا يَصِحَّ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عِتْقِهِ نَصِيبَهُ تَقَدُّمُ عِتْقِ الشَّرِيكِ وَسِرَايَتُهُ، فَيَمْتَنِعُ إعْتَاقُ نَصِيبِ هَذَا، وَيَمْتَنِعُ عِتْقُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَيُفْضِي إلَى الدَّوْرِ، فَيَمْتَنِعُ الْجَمِيعُ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ الْمُعْسِرُ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ]
(٨٥٨٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَأَعْتَقَهُ الثَّانِي وَهُوَ مُوسِرٌ، عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ، وَكَانَ ثُلُثُ وَلَائِهِ لِلْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ، وَثُلُثَاهُ لِلْمُعْتِقِ الثَّانِي) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُعْسِرَ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ، اسْتَقَرَّ فِيهِ الْعِتْقُ، وَلَمْ يَسْرِ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، بَلْ يَبْقَى عَلَى الرِّقِّ، فَإِذَا أَعْتَقَ الثَّانِي نَصِيبَهُ، وَهُوَ مُوسِرٌ، عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا بَقِيَ مِنْهُ؛ نَصِيبُهُ بِالْمُيَاسَرَةِ، وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ الثَّالِثِ بِالسِّرَايَةِ، وَصَارَ لَهُ ثُلُثَا وَلَائِهِ، وَلِلْأَوَّلِ ثُلُثُهُ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَدَاوُد، وَابْنِ جَرِيرٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ مِنْ قَوْلِهِمَا فِيمَا مَضَى.
وَرُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدًا أُعْتِقَ نِصْفُهُ، فَكَانَ عُرْوَةُ يُشَاهِرُهُ؛ شَهْرَ عَبْدٍ، وَشَهْرَ حُرٍّ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْمُعْسِرَ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، اسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ حِصَّةِ الْبَاقِينَ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، فَيَعْتِقَ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا اسْتَسْعَى الْعَبْدُ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةُ: فَإِذَا اسْتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، ثُمَّ أَيْسَرَ مُعْتَقُهُ، رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ أَلْجَأَهُ إلَى هَذَا، وَكَلَّفَهُ إيَّاهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: يَعْتِقُ جَمِيعُهُ، وَتَكُونُ قِيمَةُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَبَعَّضُ، فَإِذَا وُجِدَ فِي الْبَعْضِ سَرَى إلَى جَمِيعِهِ، كَالطَّلَاقِ، وَيَلْزَمُ الْمُعْتِقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute