لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا» صَحِيحٌ. وَذُكِرَ لِأَحْمَدَ أَنَّ مَالِكًا يَتَأَوَّلُ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُجْلَسَ عَلَى الْقُبُورِ أَيْ لِلْخَلَاءِ.
فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، وَلَمْ يُعْجِبْهُ رَأْيُ مَالِكٍ وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ، أَوْ سَيْفٍ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ، وَلَا أُبَالِي أَوَسْطَ الْقُبُورِ قَضَيْتُ حَاجَتِي، أَوْ وَسْطَ السُّوقِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
[فَصْلٌ اتِّخَاذُ السَّرْجِ عَلَى الْقُبُورِ]
(١٥٩٤) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ السَّرْجِ عَلَى الْقُبُورِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ، الْمُتَّخِذَاتِ عَلَيْهِنَّ الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَلَوْ أُبِيحَ لَمْ يَلْعَنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ فَعَلَهُ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعًا لِلْمَالِ فِي غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَإِفْرَاطًا فِي تَعْظِيمِ الْقُبُورِ أَشْبَهَ تَعْظِيمَ الْأَصْنَامِ وَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ لِهَذَا الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إنَّمَا لَمْ يُبْرَزْ قَبْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِئَلَّا يُتَّخَذَ مَسْجِدًا، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ الْقُبُورِ بِالصَّلَاةِ عِنْدَهَا يُشْبِهُ تَعْظِيمَ الْأَصْنَامِ بِالسُّجُودِ لَهَا، وَالتَّقَرُّبِ إلَيْهَا، وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ ابْتِدَاءَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ تَعْظِيمُ الْأَمْوَاتِ، بِاتِّخَاذِ صُوَرِهِمْ، وَمَسْحِهَا، وَالصَّلَاةِ عِنْدَهَا.
[فَصْلٌ الدَّفْنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ أَعْجَبُ مِنْ الدَّفْنِ فِي الْبُيُوتِ]
(١٥٩٥) فَصْلٌ: وَالدَّفْنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ أَعْجَبُ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الدَّفْنِ فِي الْبُيُوتِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا عَلَى الْأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَأَشْبَهُ بِمَسَاكِنِ الْآخِرَةِ، وَأَكْثَرُ لِلدُّعَاءِ لَهُ، وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَزَلْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يُقْبَرُونَ فِي الصَّحَارِي. فَإِنْ قِيلَ: فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُبِرَ فِي بَيْتِهِ، وَقُبِرَ صَاحِبَاهُ مَعَهُ؟ قُلْنَا: قَالَتْ عَائِشَةُ إنَّمَا فُعِلَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْفِنُ أَصْحَابَهُ فِي الْبَقِيعِ، وَفِعْلُهُ أَوْلَى مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا أَصْحَابُهُ رَأَوْا تَخْصِيصَهُ بِذَلِكَ.
وَلِأَنَّهُ رُوِيَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute