للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِخُرُوجِ وَاحِدٍ. قُلْنَا: إلَّا أَنَّهُ خُرُوجٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ، فَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِوُجُودِ غَيْرِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الِاسْتِثْنَاءِ. قُلْنَا: قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ آذَنَ لَك. مِنْ أَلْفَاظِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَاللَّفْظَتَانِ الْأُخْرَيَانِ فِي مَعْنَاهُ، فِي إخْرَاجِ الْمَأْذُونِ مِنْ يَمِينِهِ، فَكَانَ حُكْمُهُمَا كَحُكْمِهِ. هَذَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ، فَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى خُرُوجٍ وَاحِدٍ، تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِهِ، وَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ لَفْظَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا غَيْرَ بَعِيدٍ. وَإِنْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَنَوَى الْإِذْنَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى.

وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيهِ، إذَا حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ: إذَا أَذِنَ لَهَا مَرَّةً، فَهُوَ إذْنٌ لِكُلِّ مَرَّةٍ، وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَى. وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا خَرَجْت، فَهُوَ بِإِذْنِي. أَجْزَأَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ: إلَى أَنْ آذَنَ لَك، أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك، الْغَايَةَ، وَأَنَّ الْخُرُوجَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مَا قَبْلَ الْغَايَةِ، دُونَ مَا بَعْدَهَا، قُبِلَ قَوْلُهُ، وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ بِالْإِذْنِ؛ لِنِيَّتِهِ، فَإِنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى النِّيَّةِ.

[فَصْلٌ: قَالَ إنْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأُذُن لَهَا ثُمَّ نَهَاهَا فَخَرَجَتْ]

(٨١٢٨) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: إنْ خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَأَذِنَ لَهَا، ثُمَّ نَهَاهَا، فَخَرَجَتْ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إلَّا بِإِذْنِي. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ. وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ نَهْيَهُ قَدْ أَبْطَلَ إذْنَهُ، فَصَارَتْ خَارِجَةً بِغَيْرِ إذْنِهِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لِوَكِيلِهِ فِي بَيْعٍ، ثُمَّ نَهَاهُ عَنْهُ، فَبَاعَهُ، كَانَ بَاطِلًا. وَإِنْ قَالَ: إنْ خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي، لِغَيْرِ عِيَادَةِ مَرِيضٍ، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَخَرَجَتْ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ، ثُمَّ تَشَاغَلَتْ بِغَيْرِهِ، أَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت إلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ، بِغَيْرِ إذْنِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَخَرَجَتْ إلَى الْحَمَّامِ، ثُمَّ عَدَلَتْ إلَى غَيْرِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا مَا خَرَجَتْ لِغَيْرِ عِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَلَا إلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

الثَّانِي، يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ فِي الْغَالِبِ أَنْ لَا تَذْهَبَ إلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَقَدْ ذَهَبَتْ إلَى غَيْرِهِمَا، وَلِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِدَامَةِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارًا هُوَ دَاخِلُهَا، فَأَقَامَ فِيهَا، حَنِثَ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَصَدَتْ بِخُرُوجِهَا الْحَمَّامَ وَغَيْرَهُ، أَوْ الْعِيَادَةَ وَغَيْرَهَا، حَنِثَ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ لِغَيْرِهِمَا. وَإِنْ قَالَ: إنْ خَرَجْت لَا لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَخَرَجَتْ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَغَيْرِهِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَإِنْ قَصَدَتْ مَعَهُ غَيْرَهُ.

وَإِنْ قَالَ: إنْ خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ. ثُمَّ أَذِنَ لَهَا وَلَمْ تَعْلَمْ، فَخَرَجَتْ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، تَطْلُقُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَالثَّانِي، لَا يَحْنَثُ.

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بَعْدَ وُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَمْ يَحْنَثْ، كَمَا لَوْ عَلِمَتْ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَزَلَ وَكِيلَهُ انْعَزَلَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَزْلِ، فَكَذَلِكَ تَصِيرُ مَأْذُونًا لَهَا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ الْإِذْنَ إعْلَامٌ، وَكَذَلِكَ قِيلَ فِي قَوْلِهِ: {آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنبياء: ١٠٩] . أَيْ أَعْلَمْتُكُمْ فَاسْتَوَيَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>