سَائِرُ أَنْوَاعِ الْأَجْنَاسِ. وَقَوْلُهُمْ: لَا تُقْصَدُ الرَّيَاحِينُ لِلْأَكْلِ. قُلْنَا: هِيَ صَالِحَةٌ لِلْأَكْلِ، وَإِنَّمَا تُعَدُّ لِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، فَلَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا مَأْكُولَةً بِصَلَاحِهَا لِغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهَا أَجْنَاسٌ. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَيَشْمَلُهَا اسْمٌ وَاحِدٌ، فَكَانَتْ جِنْسًا، كَأَنْوَاعِ التَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ.
(٢٨١٨) فَصْلٌ: وَقَدْ يَكُونُ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ مُشْتَمِلًا عَلَى جِنْسَيْنِ، كَالتَّمْرِ، يَشْتَمِلُ عَلَى النَّوَى وَغَيْرِهِ، وَهُمَا جِنْسَانِ، وَاللَّبَنُ، يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَخِيضِ وَالزُّبْدِ، وَهُمَا جِنْسَانِ، فَمَا دَامَا مُتَّصِلَيْنِ اتِّصَالَ الْخِلْقَةِ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا مُيِّزَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، صَارَا جِنْسَيْنِ، حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْجِنْسَيْنِ الْأَصْلِيَّيْنِ.
[فَصْلٌ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ]
(٢٨١٩) فَصْلٌ: فِي بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَفُرُوعِهِ، يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَسَوَاءٌ تُسَاوَيَا فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، وَفِي كَوْنِهِمَا يَنْكَبِسَانِ فِي الْمِكْيَالِ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: صَاعُ تَمْرٍ بِصَاعِ تَمْرٍ، وَأَحَدُ التَّمْرَيْنِ يَدْخُلُ فِي الْمِكْيَالِ مِنْهُ أَكْثَرُ؟ فَقَالَ: إنَّمَا هُوَ صَاعٌ بِصَاعٍ. وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ ثُمَّ قَالَ: مَنْ زَادَ، أَوْ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى» . فَإِنْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَاهُ، جَازَ بَيْعُهُ مُتَسَاوِيًا بِغَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ أَنَّ التَّمْرَ يَكُونُ فِيهِ النَّوَى.
وَإِنْ نُزِعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَاهُ، جَازَ أَيْضًا. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَجُوزُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَسَاوَيَا فِي حَالِ الْكَمَالِ. وَلِأَنَّهُ يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ» . وَلِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالنُّقْصَانِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَاهُ. وَيَجُوزُ بَيْعُ النَّوَى بِالنَّوَى كَيْلًا لِذَلِكَ. وَإِذَا بَاعَ تَمْرًا مَنْزُوعَ النَّوَى بِتَمْرٍ نَوَاهُ فِيهِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِاشْتِمَالِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ دُونَ الْآخَرِ.
وَإِنْ نَزَعَ النَّوَى، ثُمَّ بَاعَ النَّوَى وَالتَّمْرَ بِنَوًى وَتَمْرٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ زَالَتْ التَّبَعِيَّةُ بِنَزْعِهِ، فَصَارَ كَبَيْعِ تَمْرٍ وَحِنْطَةٍ بِتَمْرٍ وَحِنْطَةٍ. وَإِنْ بَاعَ النَّوَى بِتَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى، جَازَ مُتَفَاضِلًا، وَمُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ.
وَإِنْ بَاعَ النَّوَى بِتَمْرٍ نَوَاهُ فِيهِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ مَنَعَ مِنْهُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَأَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ نَوًى، فَيَصِيرُ كَمُدِّ عَجْوَةٍ، وَكَمَا لَوْ بَاعَ تَمْرًا فِيهِ نَوَاهُ، بِتَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى. وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ؛ لِأَنَّ النَّوَى فِي التَّمْرِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَلِذَلِكَ جَازَ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَاهُ، وَصَارَ هَذَا كَبَيْعِ دَارٍ مُمَوَّهٍ سَقْفُهَا بِالذَّهَبِ بِذَهَبٍ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ النَّوَى الَّذِي فِي التَّمْرِ لَا عِبْرَةَ بِهِ، فَصَارَ كَبَيْعِ النَّوَى بِمَنْزُوعِ النَّوَى.
(٢٨٢٠) فَصْلٌ: وَيُصْنَعُ مِنْ التَّمْرِ الدِّبْسُ، وَالْخَلُّ، وَالنَّاطِفُ، وَالْقَطَّارَةُ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ بِشَيْءِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَعَ بَعْضِهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَبَعْضُهَا مَائِعٌ، وَالتَّمْرُ جَامِدٌ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّاطِفِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَلَا