وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] . وَالتَّحْرِيرُ فِعْلُ الْعِتْقِ، وَلَمْ يَحْصُلْ الْعِتْقُ هَاهُنَا بِتَحْرِيرٍ مِنْهُ، وَلَا إعْتَاقٍ، فَلَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ، وَلِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ آخَرَ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ وَرِثَهُ يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ، أَوْ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَيُخَالِفُ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْبَائِعَ يُعْتِقُهُ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يُعْتِقْهُ، إنَّمَا يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِ الشَّرْعِ، وَهَذَا عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ. وَالثَّانِي، أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ إعْتَاقَهُ، وَالْمُشْتَرِي بِخِلَافِهِ.
[فَصْلٌ مَلَكَ نِصْفَ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ]
(٨٠٤١) فَصْلٌ: إذَا مَلَكَ نِصْفَ عَبْدٍ، فَأَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ، عَتَقَ، وَسَرَى إلَى بَاقِيهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ بَاقِيهِ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ، فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ، وَصَاحِبِهِ، وَحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِتْقَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لَمْ يَحْصُلْ بِإِعْتَاقِهِ، إنَّمَا حَصَلَ بِالسِّرَايَةِ، وَهِيَ غَيْرُ فِعْلِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ آثَارِ فِعْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ، يُحَقِّقُ هَذَا، أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ بِالْإِعْتَاقِ إلَّا نَصِيبَهُ، فَسَرَى إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ خَصَّ نَصِيبَ غَيْرِهِ بِالْإِعْتَاقِ، لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ إعْتَاقَ نَصِيبِهِ، لَا نَصِيبِ غَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: قَالَ غَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا: يُجْزِئُهُ إذَا نَوَى إعْتَاقَ جَمِيعِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ.
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا كَامِلَ الرِّقِّ، سَلِيمَ الْخَلْقِ، غَيْرَ مُسْتَحِقِّ الْعِتْقِ، نَاوِيًا بِهِ الْكَفَّارَةَ، فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْجَمِيعُ مِلْكَهُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ كُلَّهُ، وَإِنَّمَا أَعْتَقَ نِصْفَهُ، وَعَتَقَ الْبَاقِي عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ شِرَاءَ قَرِيبِهِ، وَلِأَنَّ إعْتَاقَ بَاقِيهِ مُسْتَحَقٌّ بِالسِّرَايَةِ، فَهُوَ كَالْقَرِيبِ، فَعَلَى هَذَا: هَلْ يُجْزِئُهُ عِتْقُ نِصْفِهِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ وَيُعْتِقُ نِصْفًا آخَرَ، فَتَكْمُلُ الْكَفَّارَةُ؟ يَنْبَنِي عَلَى مَا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ، وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى.
وَإِنْ نَوَى عِتْقَ نَصِيبِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَنْوِ ذَلِكَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ نَصِيبُ شَرِيكِهِ وَفِي نَصِيبِهِ نَفْسِهِ مَا سَنَذْكُرُهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا، فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ، فَكَذَلِكَ، فَإِنْ مَلَكَ بَاقِيَهُ، فَأَعْتَقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ صِيَامَ شَهْرٍ، وَإِطْعَامَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا، لَمْ يُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَأَطْعَمَ خَمْسَةَ مَسَاكِينَ أَوْ كَسَاهُمْ، لَمْ يُجْزِئْهُ.
[فَصْلٌ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ فَأَعْتَقَ جُزْءًا مِنْهُ فِي كَفَّارَة الْيَمِينِ]
(٨٠٤٢) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ، فَأَعْتَقَ جُزْءًا مِنْهُ مُعَيَّنًا، أَوْ مُشَاعًا عَتَقَ جَمِيعُهُ. فَإِنْ كَانَ نَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ، أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ بَعْضِ الْعَبْدِ إعْتَاقٌ لِجَمِيعِهِ، وَإِنْ نَوَى إعْتَاقَ الْجُزْءِ الَّذِي بَاشَرَهُ بِالْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ دُونَ غَيْرِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ عِتْقُ غَيْرِهِ. وَهَلْ يُحْتَسَبُ بِمَا نَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute