تَشْكِينَ زَوْجَك، أَنَّهُ يَجْتَنِبُ فِرَاشَك. قَالَتْ: أَجَلْ، إنِّي امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، وَإِنِّي لَأَبْتَغِيَ مَا يَبْتَغِي النِّسَاءُ. فَأَرْسَلَ إلَى زَوْجِهَا، فَجَاءَ، فَقَالَ لِكَعْبٍ: اقْضِ بَيْنَهُمَا. قَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَحَقُّ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا. قَالَ: عَزَمْت عَلَيْك لَتَقْضِيَنَّ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّك فَهِمْت مِنْ أَمْرِهِمَا مَا لَمْ أَفْهَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَرَى كَأَنَّهَا عَلَيْهَا ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، هِيَ رَابِعَتُهُنَّ، فَأَقْضِي لَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ يَتَعَبَّدُ فِيهِنَّ، وَلَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ مَا رَأْيُك الْأَوَّلُ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْ الْآخَرِ، اذْهَبْ فَأَنْتَ قَاضٍ عَلَى الْبَصْرَةِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يُشَاوِرُ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا قَوْلَ لَهُ فِي الْحَادِثَةِ، وَلَا يُسْكَنُ إلَى قَوْلِهِ.
قَالَ سُفْيَانُ: وَلْيَكُنْ أَهْلُ مَشُورَتِك أَهْلَ التَّقْوَى وَأَهْلَ الْأَمَانَةِ. وَيُشَاوِرُ الْمُوَافِقِينَ وَالْمُخَالِفِينَ، وَيَسْأَلُهُمْ عَنْ حُجَّتِهِمْ، لِيَبِينَ لَهُ الْحَقُّ. (٨٢٣٢) فَصْلٌ: وَالْمُشَاوَرَةُ هَاهُنَا لِاسْتِخْرَاجِ الْأَدِلَّةِ، وَيَعْرِفُ الْحَقَّ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ، وَيَحْكُمَ بُقُولِ سِوَاهُ، سَوَاءٌ ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ فَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِيهِ، أَوْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ، وَسَوَاءٌ ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ لَمْ يَضِقْ. وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُفْتِي الْفُتْيَا بِالتَّقْلِيدِ.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا كَانَ الْحَاكِمُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، جَازَ لَهُ تَرْكُ رَأْيِهِ لِرَأْيِ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ عِنْدَهُ إذَا صَارَ إلَيْهِ، فَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ. وَلِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَعْرَفُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ. وَلَنَا، أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مِثْلَهُ، كَالْمُجْتَهِدِينَ فِي الْقِبْلَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ، فَإِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ مَا قَالَهُ خَطَأٌ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبِنْ لَهُ الْحَقُّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يَبِينَ لَهُ خَطَؤُهُ إذَا اجْتَهَدَ.
[فَصْلٌ يُحْضِرَ الْقَاضِي مَجْلِسَهُ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ]
فَصْلٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْضِرَ مَجْلِسَهُ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ، حَتَّى إذَا حَدَثَتْ حَادِثَةٌ، يُفْتَقَرُ إلَى أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْهَا سَأَلَهُمْ، لِيَذْكُرُوا أَدِلَّتَهُمْ فِيهَا وَجَوَابَهُمْ عَنْهَا، فَإِنَّهُ أَسْرَعُ لِاجْتِهَادِهِ، وَأَقْرَبُ لِصَوَابِهِ، فَإِنْ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ خَالَفَ اجْتِهَادَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِمَا يُخَالِفُ. نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا.
[فَصْلٌ يُحْضِرَ الْقَاضِي شُهُودَهُ مَجْلِسَهُ]
(٨٢٣٤) فَصْلٌ: وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْضِرَ شُهُودَهُ مَجْلِسَهُ، لِيَسْتَوْفِيَ بِهِمْ الْحُقُوقَ، وَتَثْبُتَ بِهِمْ الْحُجَجُ وَالْمَحَاضِرُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute