وَلَنَا أَنَّهُ صَوْمٌ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهِ، فَلَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ فِيهِ، كَالتَّطَوُّعِ، وَفَارَقَ الْحَاضِرَ الصَّحِيحَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي الصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فَهُوَ كَالْمُسَافِرِ، وَلِأَنَّهُ يُفْطِرُ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ، فَيَقَعُ الْجِمَاعُ بَعْدَ حُصُولِ الْفِطْرِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَكَلَ ثُمَّ جَامَعَ. وَمَتَى أَفْطَرَ الْمُسَافِرُ فَلَهُ فِعْلُ جَمِيعِ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ، مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِالصَّوْمِ، فَتَزُولُ بِزَوَالِهِ، كَمَا لَوْ زَالَ بِمَجِيءِ اللَّيْلِ.
[فَصْلُ لَيْسَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَصُومَ فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ]
(٢٠١٦) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَصُومَ فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ، كَالنَّذْرِ وَالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ أُبِيحَ رُخْصَةً وَتَخْفِيفًا عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يُرِدْ التَّخْفِيفَ عَنْ نَفْسِهِ، لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَصْلِ. فَإِنْ نَوَى صَوْمًا غَيْرَ رَمَضَانَ، لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ، لَا عَنْ رَمَضَانَ، وَلَا عَنْ مَا نَوَاهُ. هَذَا الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقَعُ مَا نَوَاهُ إذَا كَانَ وَاجِبًا؛ لِأَنَّهُ زَمَنٌ أُبِيحَ لَهُ فِطْرُهُ، فَكَانَ لَهُ صَوْمُهُ عَنْ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، كَغَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ. وَلَنَا أَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرَ لِلْعُذْرِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَصُومَهُ عَنْ غَيْرِ رَمَضَانَ، كَالْمَرِيضِ، وَبِهَذَا يُنْتَقَضُ مَا ذَكَرُوهُ، وَيُنْقَضُ أَيْضًا بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ، فَإِنَّهُمْ سَلَّمُوهُ. قَالَ صَالِحٌ: قِيلَ لِأَبِي: مَنْ صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَهُوَ يَنْوِي بِهِ تَطَوُّعًا، يُجْزِئُهُ؟ قَالَ: أَوَيَفْعَلُ هَذَا مُسْلِمٌ،.
[مَسْأَلَةُ مُبْطِلَات الصِّيَام وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُصُولٌ]
[فَصْلُ الْفِطْرِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِمَا يُتَغَذَّى بِهِ]
(٢٠١٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ، أَوْ احْتَجَمَ، أَوْ اسْتَعَطَ، أَوْ أَدْخَلَ إلَى جَوْفِهِ شَيْئًا مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، أَوْ قَبَّلَ فَأَمْنَى، أَوْ أَمْذَى، أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ، أَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ عَامِدًا، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ، إذَا كَانَ صَوْمًا وَاجِبًا) (٢٠١٨) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُصُولٌ: أَحَدُهَا، أَنَّهُ يُفْطِرُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالْإِجْمَاعِ، وَبِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] مَدَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ إلَى تَبَيُّنِ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالصِّيَامِ عَنْهُمَا. وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ، أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ؛ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي» .
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْفِطْرِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِمَا يُتَغَذَّى بِهِ، فَأَمَّا مَا لَا يَتَغَذَّى بِهِ، فَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ يَحْصُلُ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute