للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ تَابَ الْغَالُّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ]

(٧٦٠٧) فَصْلٌ: إذَا تَابَ الْغَالُّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، رَدَّ مَا أَخَذَهُ فِي الْمُقْسَمِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَيَّنَ رَدُّهُ إلَى أَهْلِهِ. فَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنْ يُؤَدِّيَ خُمُسَهُ إلَى الْإِمَامِ، وَيَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ.

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو.

عَنْ حَوْشَبِ بْنِ سَيْفٍ، قَالَ: غَزَا النَّاسُ الرُّومَ، وَعَلَيْهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَغَلَّ رَجُلٌ مِائَةَ دِينَارٍ، فَلَمَّا قُسِمَتْ الْغَنِيمَةُ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ، نَدِمَ، فَأَتَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: قَدْ غَلَلْت مِائَةَ دِينَارٍ، فَاقْبِضْهَا. قَالَ: قَدْ تَفَرَّقَ النَّاسُ، فَلَنْ أَقْبِضَهَا مِنْك حَتَّى تُوَافِيَ اللَّهَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَأَتَى مُعَاوِيَةَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَخَرَجَ وَهُوَ يَبْكِي، فَمَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشَّاعِرِ السَّكْسَكِيِّ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيك؟ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَمُطِيعِي أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إلَى مُعَاوِيَةَ فَقُلْ لَهُ: خُذْ مِنِّي خُمْسَك، فَأَعْطِهِ عِشْرِينَ دِينَارًا، وَانْظُرْ إلَى الثَّمَانِينَ الْبَاقِيَةِ، فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ أَسْمَاءَهُمْ وَمَكَانَهُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَحْسَنَ وَاَللَّهِ، لَأَنْ أَكُنْ أَنَا أَفْتَيْته بِهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي مِثْلُ كُلِّ شَيْءٍ امْتَلَكْت. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ رَأَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْمَالِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْرِفُ لِلصَّدَقَةِ وَجْهًا، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الْغَالِّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا أَقْبَلُهُ مِنْك، حَتَّى تَجِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

وَلَنَا قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ تَرْكَهُ تَضْيِيعٌ لَهُ، وَتَعْطِيلٌ لِمَنْفَعَتِهِ الَّتِي خُلِقَ لَهَا، وَلَا يَتَخَفَّفُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ إثْمِ الْغَالِّ، وَفِي الصَّدَقَةِ نَفْعٌ لِمَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْمَسَاكِينِ، وَمَا يَحْصُلُ مِنْ أَجْرِ الصَّدَقَةِ يَصِلُ إلَى صَاحِبِهِ، فَيَذْهَبُ بِهِ الْإِثْمُ عَنْ الْغَالِّ، فَيَكُونُ أَوْلَى.

[مَسْأَلَة لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مُسْلِمٍ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ]

(٧٦٠٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مُسْلِمٍ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ. وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ أَتَى حَدًّا مِنْ الْغُزَاةِ، أَوْ مَا يُوجِبُ قِصَاصًا، فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْفِلَ، فَيُقَامَ عَلَيْهِ حَدُّهُ. وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يُقَامُ الْحَدُّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِإِقَامَتِهِ مُطْلَقٌ فِي كُلِّ مَكَان وَزَمَانٍ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ أَمِيرُ الْجَيْشِ الْإِمَامَ، أَوْ أَمِيرَ إقْلِيمٍ، فَلَيْسَ لَهُ إقَامَةُ الْحَدِّ، وَيُؤَخَّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامَ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحُدُودِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إلَى الْمَحْدُودِ، أَوْ قُوَّةٌ بِهِ، أَوْ شُغْلٌ عَنْهُ، أُخِّرَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ وَلَا قِصَاصَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا إذَا رَجَعَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>