لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْكِتَابَةُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ، وَالْحُرِّيَّةُ تَحْصُلُ بِأَوَّلِ وُجُودِهِ، فَتَكُونُ الْحُرِّيَّةُ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ، فَيَكُونُ مَا فِي يَدِهِ لَهُ، كَمَا لَوْ عَتَقَ بِالْإِبْرَاءِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ. وَمُقْتَضَى قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، أَنْ تَبْطُلَ كِتَابَتُهُ، وَيَكُونَ مَا بِيَدِهِ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ.
[فَصْلٌ كَاتَبَ عَبْدًا فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ]
(٨٧٨٧) فَصْلٌ: وَإِذَا كَاتَبَ عَبْدًا فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ مَالِ كِتَابَتِهِ، عَتَقَ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ سِوَى الْمُكَاتَبِ مِائَتَانِ، وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ مِائَةٌ، وَمَالُ الْكِتَابَةِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، فَإِنَّنَا نَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ دُونَ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ. وَلَوْ كَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ مِائَةً، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، اعْتَبَرْنَا مَالَ الْكِتَابَةِ، وَنَفَذَ الْعِتْقُ، وَيُعْتَبَرُ الْبَاقِي مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ دُونَ مَا أَدَّى مِنْهَا. وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْأَقَلَّ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ، فَهِيَ قِيمَةُ مَا أُتْلِفَ بِالْإِعْتَاقِ، وَمَالُ الْكِتَابَةِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِلْعَبْدِ إسْقَاطَهُ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ، أَوْ يَمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِهِ. وَإِنْ كَانَ عِوَضُ الْكِتَابَةِ أَقَلَّ، اعْتَبَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَائِهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ السَّيِّدُ عَلَيْهِ سِوَاهُ، وَقَدْ ضَعُفَ مِلْكُهُ فِيهِ، وَصَارَ عِوَضَهُ.
وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ سِوَى الْمُكَاتَبِ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَإِنَّنَا نَضُمُّ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَالِ كِتَابَتِهِ إلَى مَالِهِ، وَنَعْمَلُ بِحِسَابِهِ، فَيَعْتِقُ مِنْهُ ثُلُثَاهُ، وَيَبْقَى ثُلُثُهُ بِثُلُثِ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ أَدَّاهُ، عَتَقَ، وَإِلَّا رَقَّ مِنْهُ ثُلُثُهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ مِائَةً وَخَمْسِينَ، فَبَقِيَ ثُلُثُهُ بِخَمْسِينَ، فَأَدَّاهَا، أَنْ يَقُولَ: قَدْ زَادَ مَالُ الْمَيِّتِ. لِأَنَّهُ حُسِبَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِمِائَةٍ، وَحَصَلَ لَهُمْ بِثُلُثِهِ خَمْسُونَ، فَقَدْ زَادَ مَالُ الْمَيِّتِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ بِمَا عَتَقَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ يَحْصُلُ لَهُمْ بِعَقْدِ السَّيِّدِ، وَالْإِرْثِ عَنْهُ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ؛ لِأَنَّ رُبْعَهُ يَجِبُ إيتَاؤُهُ لِلْمُكَاتَبِ، فَلَا يُحْسَبُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ. فَعَلَى هَذَا، إذَا كَانَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَالِ الْمُكَاتَبِ مِائَةً وَخَمْسِينَ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةً، وَلِلْمَيِّتِ مِائَةٌ أُخْرَى، عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ ثُلُثَاهُ، وَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ كِتَابَةِ الْعَبْدِ خَمْسُونَ، عَنْ ثُلُثِ الْعَبْدِ الْمَحْسُوبِ عَلَيْهِمْ بِثُلُثِ الْمِائَةِ، فَقَدْ زَادَ لَهُمْ ثُلُثُ الْخَمْسِينَ، فَيَعْتِقَ مِنْ الْعَبْدِ قَدْرُ ثُلُثِهَا، وَهُوَ تُسْعُ الْخَمْسِينَ، وَذَلِكَ نِصْفُ تُسْعِهِ، فَصَارَ الْعِتْقُ ثَابِتًا فِي ثُلُثَيْهِ، وَنِصْفِ تُسْعِهِ، وَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ الْمِائَةُ، وَثَمَانِيَةُ أَتْسَاعِ الْخَمْسِينَ، وَهُوَ مِثْلَا مَا عَتَقَ مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَعْتَقْتُمْ بَعْضَهُ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَقَدْ قُلْتُمْ: إنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ مَالِ الْكِتَابَةِ؟ قُلْنَا: إنَّمَا أَعْتَقْنَا بَعْضَهُ هَاهُنَا بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهِ، لَا بِالْكِتَابَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْعِتْقُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، نَفَذَ فِي ثُلُثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute