بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، أَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ إلَى الْوَرَثَةِ، حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِالْإِعْتَاقِ فَكَانَتْ الْخِيرَةُ إلَيْهِمْ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ الْأَمْرِ شَيْئًا، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ خِيرَةٌ. (٤٧٤٣) فَصْلٌ: وَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ، فِي مَنْ لَهُ غُلَامَانِ اسْمُهُمَا وَاحِدٌ، فَقَالَ: فُلَانٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي. وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ. وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَيُعْتَقُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ شَيْءٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمِائَتَيْنِ وَقَعَتْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَّا لِمُعَيَّنٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ أَنْ تَصِحَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّهَا حُرٌّ فِي حَالِ اسْتِحْقَاقِهَا. وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي مَنْ قَالَ: أَعْتِقُوا رَقَبَةً عَنِّي. فَلَا يُعْتَقُ عَنْهُ إلَّا مُسْلِمٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ يُحْمَلُ عَلَى الْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ، لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا الْمُسْلِمَ، فَكَذَلِكَ الْآدَمِيُّ.
[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى عَبْدُ زَيْدٍ بِخَمْسِمِائَةِ فَيُعْتَقَ فَلَمْ يَبِعْهُ سَيِّدُهُ]
(٤٧٤٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى عَبْدُ زَيْدٌ بِخَمْسِمِائَةٍ، فَيُعْتَقُ، فَلَمْ يَبِعْهُ سَيِّدُهُ، فَالْخَمْسُمِائَةِ لِلْوَرَثَةِ. وَإِنْ اشْتَرَوْهُ بِأَقَلَّ، فَمَا فَضَلَ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ) أَمَّا إذَا تَعَذَّرَ شِرَاؤُهُ، إمَّا لِامْتِنَاعِ سَيِّدِهِ مِنْ بَيْعِهِ، أَوْ مِنْ بَيْعِهِ بِالْخَمْسِمِائَةِ، وَإِمَّا لِمَوْتِهِ، أَوْ لِعَجْزِ الثُّلُثِ عَنْ ثَمَنِهِ، فَالثَّمَنُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بَطَلَتْ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ فَمَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا. وَلَا يَلْزَمُهُمْ شِرَاءُ عَبْدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِمُعَيَّنٍ، فَلَا تُصْرَفُ إلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا إنْ اشْتَرَوْهُ بِأَقَلَّ، فَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يُدْفَعُ جَمِيعُ الثَّمَنِ إلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إرْفَاقَهُ بِالثَّمَنِ وَمُحَابَاتَهُ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: بِيعُوهُ عَبْدِي بِخَمْسِمِائَةٍ. وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْهَا، وَكَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ حِجَّةً بِخَمْسِمِائَةٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: يُجْعَلُ بَقِيَّةُ الثَّمَنِ فِي الْعِتْقِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، رُدَّ مَا فَضَلَ فِي الْحَجِّ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَمَرَ بِشِرَائِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ، فَكَانَ مَا فَضَلَ مِنْ الثَّمَنِ رَاجِعًا إلَيْهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِي شِرَائِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَفَارَقَ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ رَجُلٌ بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ إرْفَاقُ الَّذِي يَحُجُّ بِالْفَضْلَةِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْمَقْصُودُ الْعِتْقُ. وَيُفَارِقُ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِخَمْسِمِائَةٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ ثَمَّ لِلْحَجِّ مُطْلَقًا، فَصُرِفَ جَمِيعُهَا فِيهِ، وَهَا هُنَا لِمُعَيَّنٍ، فَلَا تَتَعَدَّاهُ. وَقَوْلُهُ: إنَّهُ قَصَدَ إرْفَاقَ زَيْدٍ بِالثَّمَنِ وَمُحَابَاتَهُ بِهِ. فَنَقُولُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ ثَمَّ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، إمَّا لِكَوْنِ الْبَائِعِ صَدِيقًا لَهُ، أَوْ ذَا حَاجَةٍ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ الَّذِينَ يُقْصَدُونَ بِهَذَا، أَوْ عَيَّنَ هَذَا الثَّمَنَ وَهُوَ يَعْلَمُ حُصُولَ الْعَبْدِ بِدُونِهِ؛ لِقِلَّةِ قِيمَتِهِ، فَإِنَّهُ يُدْفَعُ جَمِيعُ الثَّمَنِ إلَى زَيْدٍ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: وَادْفَعُوا إلَيْهِ جَمِيعَهَا، وَإِنْ بَذَلَهُ بِدُونِهَا. وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute