للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّمْحِ وَالسَّيْفِ وَجْهَانِ، وَفِي الْفِيلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَجْهَانِ لِأَنَّ لِلْمَزَارِيقِ وَالرِّمَاحِ وَالسُّيُوفِ نَصْلًا، وَلِلْفِيلِ خُفٌّ، وَلِلْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ حَوَافِرُ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ.

وَلَنَا، أَنَّ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا لَا تَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ، وَلَا يُقَاتَلُ عَلَيْهَا، وَلَا يُسْهَمُ لَهَا، وَالْفِيلُ لَا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، وَالرِّمَاحُ وَالسُّيُوفُ لَا يُرْمَى بِهَا، فَلَمْ تَجُزْ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا، كَالْبَقَرِ وَالتِّرَاسِ، وَالْخَبَرُ لَيْسَ بِعَامٍّ فِيمَا تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي إثْبَاتٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَامٌّ فِي نَفْيِ مَا لَا تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ بِهِ بِعِوَضٍ؛ لِكَوْنِهِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ عَامًّا، لَحُمِلَ عَلَى مَا عُهِدَتْ الْمُسَابِقَةُ عَلَيْهِ، وَوَرَدَ الشَّرْعُ بِالْحَثِّ عَلَى تَعَلُّمِهِ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ.

[مَسْأَلَةٌ أَرَادَا أَنْ يَسْتَبِقَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُخْرِجْ الْآخِرُ]

(٧٩٠٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ وَإِذَا أَرَادَا أَنْ يَسْتَبِقَا، أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُخْرِجْ الْآخَرُ، فَإِنْ سَبَقَ مَنْ أَخْرَجَ، أَحْرَزَ سَبْقَهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْمَسْبُوقِ شَيْئًا وَإِنْ سَبَقَ مَنْ لَمْ يُخْرِجْ، أَحْرَزَ سَبْقَ صَاحِبِهِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُسَابَقَةَ إذَا كَانَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ حِزْبَيْنِ، لَمْ تَخْلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا نَظَرْت، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْإِمَامِ جَازَ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مَالِهِ، أَوْ مِنْ بَيْت الْمَالِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً وَحَثًّا عَلَى تَعَلُّمِ الْجِهَادِ، وَنَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ إمَامٍ، جَازَ لَهُ بَذْلُ الْعِوَضِ مِنْ مَالِهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْجِهَادِ، فَاخْتُصَّ بِهِ الْإِمَامُ لِتَوْلِيَةِ الْوِلَايَات وَتَأْمِيرِ الْأُمَرَاءِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ بَذْلٌ لِمَالِهِ فِيمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَقُرْبَةٌ فَجَازَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ خَيْلًا وَسِلَاحًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْهُمَا، اُشْتُرِطَ كَوْنُ الْجُعْلِ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَيَقُولُ: إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَشَرَةٌ، وَإِنْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ عَلَيْك. فَهَذَا جَائِزٌ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قِمَارٌ. وَلَنَا، أَنَّ أَحَدُهُمَا يَخْتَصُّ بِالسَّبْقِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ.

وَلَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ الْقِمَارَ أَنْ لَا يَخْلُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ، وَهَا هُنَا لَا خَطَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَلَا يَكُونُ قِمَارًا فَإِذَا سَبَقَ الْمُخْرِجُ أَحْرَزَ سَبَقَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ سَبَقَ الْآخَرُ أَخَذَ سَبْقَ الْمُخْرِجِ فَمَلَكَهُ، وَكَانَ كَسَائِرِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي الْجَعَالَةِ، فَيُمْلَكُ فِيهَا، كَالْعِوَضِ الْمَجْعُولِ فِي رَدِّ الضَّالَّةِ وَالْآبِقِ. وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ، فَهُوَ دَيْنٌ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ، وَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ أَفْلَسَ، ضُرِبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ.

[فَصْلٌ حُكْم الْمُسَابَقَةُ]

(٧٩٠٨) فَصْلٌ: وَالْمُسَابَقَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: هُوَ لَازِمٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>