كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي بِتَمَامِهَا، لَا حَقَّ لِلْبَائِعِ فِيهَا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي رَأْسَ مَالِهِ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الرَّطْبَةِ إذَا طَالَتْ، وَالزَّرْعِ الْأَخْضَرِ إذَا أَدْجَنَ. وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يُقْصَدْ وَقْتَ الشِّرَاءِ تَأْخِيرُهُ، وَلَمْ يُجْعَلْ شِرَاؤُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ حِيلَةً، عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْ شِرَاءِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، لِيَتْرُكَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، فَأَمَّا إنْ قَصَدَ ذَلِكَ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ حِيلَةٌ مُحَرَّمَةٌ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، لَا حُكْمَ لِقَصْدِهِ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ، وَأَصْلُ هَذَا، الْخِلَافُ فِي تَحْرِيمِ الْحِيَلِ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي هَذَا.
[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ بَعْدَ أَنَّ بَدَا صَلَاحهَا عَلَى التُّرْك إلَى الْجِزَاز]
(٢٩٠٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ أَنْ بَدَا صَلَاحُهَا عَلَى التَّرْكِ إلَى الْجِزَازِ، جَازَ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّهُ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي الثَّمَرَةِ، جَازَ بَيْعُهَا مُطْلَقًا، وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ إلَى حَالِ الْجِزَازِ، وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ. وَبِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجُوزُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ. إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ: إذَا تَنَاهَى عَظْمُهَا، جَازَ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ هَذَا شَرْطُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ شَرَطَ تَبْقِيَةَ الطَّعَامِ فِي كندوجه.
وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا.» فَمَفْهُومُهُ إبَاحَةُ بَيْعِهَا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عِنْدَهُمْ الْبَيْعُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَائِزًا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بُدُوُّ الصَّلَاحِ غَايَةً، وَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ. «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَتَأْمَنَ الْعَاهَةَ.» وَتَعْلِيلُهُ بِأَمْنِ الْعَاهَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّبْقِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا يُقْطَعُ فِي الْحَالِ لَا يُخَافُ الْعَاهَةُ عَلَيْهِ، وَإِذَا بَدَا الصَّلَاحُ فَقَدْ أُمِنَتْ الْعَاهَةُ، فَيَجِبُ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ مُبْقًى لِزَوَالِ عِلَّةِ الْمَنْعِ، وَلِأَنَّ النَّقْلَ وَالتَّحْوِيلَ يَجِبُ فِي الْمَبِيعِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ، فَإِذَا شَرَطَهُ جَازَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ نَقْلَ الطَّعَامِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ حَسَبَ الْإِمْكَانِ. وَفِي هَذَا انْفِصَالٌ عَمَّا ذَكَرُوهُ.
[فَصْلٌ بُدُوُّ الصَّلَاح فِي بَعْض ثَمَرَة النَّخْلَة أَوْ الشَّجَرَة صَلَاح لِجَمِيعِهَا]
(٢٩٠٥) فَصْلٌ: وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِ ثَمَرَةِ النَّخْلَةِ، أَوْ الشَّجَرَةِ صَلَاحٌ لِجَمِيعِهَا، أَعْنِي أَنَّهُ يُبَاحُ بَيْعُ جَمِيعِهَا بِذَلِكَ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ اخْتِلَافًا، وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ سَائِرِ مَا فِي الْبُسْتَانِ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ أَظْهَرُهُمَا جَوَازُهُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ إلَّا بَيْعُ مَا بَدَا صَلَاحُهُ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ النَّهْيِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ، كَالْجِنْسِ الْآخَرِ، وَكَاَلَّذِي فِي الْبُسْتَانِ الْآخَرِ.
وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ بَدَا الصَّلَاحُ فِي نَوْعِهِ مِنْ الْبُسْتَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَجَازَ بَيْعُ جَمِيعِهِ، كَالشَّجَرَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الْجَمِيعِ يَشُقُّ، وَيُؤَدِّي إلَى الِاشْتِرَاكِ وَاخْتِلَافِ الْأَيْدِي، فَوَجَبَ أَنْ يَتْبَعَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ نَوْعِهِ لِمَا بَدَا، عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute