الْبَهِيمُ: الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنَهُ لَوْنٌ سِوَاهُ. قَالَ أَحْمَدُ: الَّذِي لَيْسَ فِيهِ بَيَاضٌ. قَالَ ثَعْلَبٌ، وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: كُلُّ لَوْنٍ لَمْ يُخَالِطْهُ لَوْنٌ آخَرُ بَهِيمٌ. قِيلَ لَهُمَا: مِنْ كُلِّ لَوْنٍ؟ قَالَا: نَعَمْ. وَمِمَّنْ كَرِهَ صَيْدَهُ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَإِسْحَاقُ.
قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَعْرِفُ أَحَدًا يُرَخِّصُ فِيهِ. يَعْنِي مِنْ السَّلَفِ. وَأَبَاحَ صَيْدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْكِلَابِ. وَلَنَا، أَنَّهُ كَلْبٌ يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ، وَيَجِبُ قَتْلُهُ، فَلَمْ يُبَحْ صَيْدُهُ، كَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ، وَدَلِيلُ تَحْرِيمِ اقْتِنَائِهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَغَيْرُهُ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ، فِي " صَحِيحِهِ "، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ، ذِي النُّكْتَتَيْنِ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» . فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَمَا وَجَبَ قَتْلُهُ حَرُمَ اقْتِنَاؤُهُ وَتَعْلِيمُهُ، فَلَمْ يُبَحْ صَيْدُهُ لِغَيْرِ الْمُعَلَّمِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهُ شَيْطَانًا، وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الشَّيْطَانِ، وَإِبَاحَةُ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ رُخْصَةٌ، فَلَا تُسْتَبَاحُ بِمُحْرِمِ كَسَائِرِ الرُّخَصِ، وَالْعُمُومَاتِ مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُكْتَتَانِ فَوْقَ عَيْنَيْهِ، لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ نَهْيًا؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخَبَرِ.
[مَسْأَلَةٌ أَدْرَكَ الصَّيْدَ وَفِيهِ رُوحٌ فَلَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ]
(٧٧١٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا أَدْرَكَ الصَّيْدَ وَفِيهِ رُوحٌ، فَلَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ، لَمْ يُؤْكَلْ) يَعْنِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، مَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَأَمَّا مَا كَانَتْ حَيَاتُهُ كَحَيَاةِ الْمَذْبُوحِ، فَهَذَا يُبَاحُ مِنْ غَيْرِ ذَبْحٍ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، فَإِنَّ الذَّكَاةَ فِي مِثْلِ هَذَا لَا تُفِيدُ شَيْئًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَهُ مَجُوسِيٌّ، ثُمَّ أَعَادَ ذَبْحَهُ مُسْلِمٌ. لَمْ يَحِلَّ، فَأَمَّا إنْ أَدْرَكَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ، نَظَرْت؛ فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الزَّمَانُ لِذَكَاتِهِ حَتَّى مَاتَ، حَلَّ أَيْضًا. قَالَ قَتَادَةُ: يَأْكُلُهُ مَا لَمْ يَتَوَانَ فِي ذَكَاتِهِ، أَوْ يَتْرُكْهُ عَمْدًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُذَكِّيَهُ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، فَتَعَلَّقَتْ إبَاحَتُهُ بِتَذْكِيَتِهِ، كَمَا لَوْ اتَّسَعَ الزَّمَانُ.
وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَكَاتِهِ بِوَجْهٍ يُنْسَبُ فِيهِ إلَى التَّفْرِيطِ، وَلَمْ يَتَّسِعْ لَهَا الزَّمَانُ، فَكَانَ عَقْرُهُ ذَكَاتَهُ، كَاَلَّذِي قَتَلَهُ. وَيُفَارِقُ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ ذَكَاتُهُ، وَفَرَّطَ بِتَرْكِهَا.
وَلَوْ أَدْرَكَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَعِيشُ بِهَا طَوِيلًا، وَأَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى مَاتَ، لَمْ يُبَحْ، سَوَاءٌ كَانَ بِهِ جُرْحٌ يَعِيشُ مَعَهُ أَوْ لَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ. فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَيِّ. بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ. - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. كَانَتْ جِرَاحَاتُهُ مُوحِيَةً. فَأَوْصَى. وَأُجِيزَتْ وَصَايَاهُ وَأَقْوَالُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute