وَكَّلَ وَاحِدٍ مِنْ الْكَفِيلَيْنِ لَيْسَ بِفَرْعٍ لِلْآخَرِ، فَلَمْ يَبْرَأْ بِبَرَاءَتِهِ.
وَلِذَلِكَ لَوْ أَبْرَأَ الْمَكْفُولَ بِهِ بَرِئَ كَفِيلَاهُ. وَلَوْ أُبْرِئَ أَحَدُ الْكَفِيلَيْنِ بَرِئَ وَحْدَهُ، دُونَ صَاحِبِهِ.
[فَصْل تَكَفَّلَ وَاحِدٌ لِاثْنَيْنِ فَأَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا]
(٣٦٠٤) فَصْلٌ: وَلَوْ تَكَفَّلَ وَاحِدٌ لِاثْنَيْنِ، فَأَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا، أَوْ أَحْضَرَهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا، لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدَيْنِ، فَقَدْ الْتَزَمَ إحْضَارَهُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا أَحْضَرَهُ عِنْدَ وَاحِدِ، بَرِئَ مِنْهُ، وَبَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي عَقْدَيْنِ، وَكَمَا لَوْ ضَمِنَ دَيْنًا لِرَجُلَيْنِ، فَوَفَّى أَحَدَهُمَا حَقَّهُ. "
[فَصْلٌ تَفْتَقِرُ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ إلَى رِضَى الْكَفِيلِ]
(٣٦٠٥) فَصْلٌ: وَتَفْتَقِرُ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ إلَى رِضَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَقُّ ابْتِدَاءً إلَّا بِرِضَاهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمَكْفُولِ لَهُ؛ لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ لَهُ لَا قَبْضَ فِيهَا، فَصَحَّتْ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فِيهَا، كَالشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّهَا الْتِزَامُ حَقٍّ لَهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهُ فِيهَا، كَالنَّذْرِ، فَأَمَّا رِضَى الْمَكْفُولِ لَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يُعْتَبَرُ، كَالضَّمَانِ.
وَالثَّانِي، يُعْتَبَرُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا إحْضَارُهُ، وَإِنْ تَكَفَّلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ مَعَهُ، وَلِأَنَّهُ يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ حَقًّا عَلَيْهِ، وَهُوَ الْحُضُورُ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ أَلْزَمَهُ الدَّيْنَ، وَفَارَقَ الضَّمَانَ، فَإِنَّ الضَّامِنَ يَقْضِي الْحَقَّ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ.
وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ، مَتَى كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِ، فَأَرَادَ الْكَفِيلُ إحْضَارَهُ، لَزِمَهُ الْحُضُورُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ ذِمَّتَهُ مِنْ أَجْلِهِ بِإِذْنِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهَا، كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ عَبْدَهُ فَرَهَنَهُ بِإِذْنِهِ، كَانَ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ إذَا طَلَبَهُ سَيِّدُهُ. وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ إذْنِهِ نَظَرْنَا؛ فَإِنْ طَلَبَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ مِنْهُ، لَزِمَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُ حَقٌّ لِلْمَكْفُولِ لَهُ، وَقَدْ اسْتَنَابَ الْكَفِيلَ فِي طَلَبِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْمَكْفُولُ لَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْغِلْ ذِمَّتَهُ، وَإِنَّمَا الْكَفِيلُ شَغَلَهَا بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ بِذَلِكَ حَقٌّ عَلَى غَيْرِهِ. وَإِنْ قَالَ الْمَكْفُولُ لَهُ: أَحْضِرْ كَفِيلَك. كَانَ تَوْكِيلًا فِي إحْضَارِهِ، وَلَزِمَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ أَجْنَبِيًّا. وَإِنْ قَالَ: اُخْرُجْ مِنْ كَفَالَتِك. احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ تَوْكِيلًا فِي إحْضَارِهِ، كَاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُطَالَبَةً بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ تَوْكِيلًا، فَلَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ مَعَهُ.
[فَصْلٌ قَالَ رَجُلٌ لِآخَر اضْمَنْ عَنْ فُلَانٍ أَوْ اُكْفُلْ بِفُلَانِ]
(٣٦٠٦) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: اضْمَنْ عَنْ فُلَانٍ، أَوْ اُكْفُلْ بِفُلَانٍ. فَفَعَلَ، كَانَ الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ لَازِمَيْنِ لِلْمُبَاشِرِ دُونَ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا الْأَمْرُ إرْشَادٌ وَحَثٌّ عَلَى فِعْلِ خَيْرٍ، فَلَمْ يُلْزِمْهُ بِهِ بِشَيْءٍ.
[مَسْأَلَةٌ مَوْتِ الْمَكْفُول بِهِ]
(٣٦٠٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَإِنْ مَاتَ، بَرِئَ الْمُتَكَفِّلُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ، سَقَطَتْ الْكَفَالَةُ، وَلَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ. وَبِهَذَا قَالَ شُرَيْحٌ