للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: مَنْ أَلْحَقُوهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مِنْهُمْ يَصِيرُ مُرْتَدًّا، يَجُوزُ سَبْيُهُ، وَمَنْ لَمْ يُلْحِقُوهُ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ. فَأَمَّا مَنْ وُلِدَ بَعْدَ الرِّدَّةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ فَذَكَرَ الْخِرَقِيِّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ، الشَّافِعِيِّ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُسْبَوْنَ. وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ.

[فَصْلٌ لُحُوق الْمُرْتَدّ بِدَارِ الْحَرْبِ]

(٤٩٥٧) فَصْلٌ: فَإِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ، وُقِفَ مَالُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ دُفِعَ إلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ صَارَ فَيْئًا. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَجَعَلَ أَهْلُ الْعِرَاقِ لِحَاقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ، فِي زَوَالِ مِلْكِهِ، وَصَرْفِ مَالِهِ إلَى مِنْ يُصْرَفُ إلَيْهِ إذَا مَاتَ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، فَلَهُ مَا وُجِدَ مِنْ مَالِهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى وَرَثَتِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَتْلَفُوهُ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا اقْتَسَمُوهُ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ.

وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ مَالِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، أَنَّهُ فَيْءٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: إذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ، زَالَ مِلْكُهُ عَنْ مَالِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، فَإِنْ أَسْلَمَ رُدَّ إلَيْهِ تَمْلِيكًا مُسْتَأْنَفًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّمَا أَحْكُمُ بِمَوْتِهِ يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ فِي مَالِهِ، لَا يَوْمَ لَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ

وَلَنَا، أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ، وَيَبْقَى مِلْكُهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ، فَلَمْ يُحْكَمْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ، وَيَجِبُ رَدُّ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِهِ، أَوْ أُتْلِفَ عَلَيْهِ، كَغَيْرِهِ.

[فَصْلٌ مَاتَ الذِّمِّيُّ وَلَا وَارِثَ لَهُ]

(٤٩٥٨) فَصْلٌ: وَمَتَى مَاتَ الذِّمِّيُّ، وَلَا وَارِثَ لَهُ، كَانَ مَالُهُ فَيْئًا، وَكَذَلِكَ مَا فَضَلَ مِنْ مَالِهِ عَنْ وَارِثِهِ، كَمَنْ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّ الْفَاضِلَ عَنْ مِيرَاثِهِ يَكُونُ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ، فَكَانَ فَيْئًا، كَمَالِ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا وَارِثَ لَهُ.

[فَصْلٌ مِيرَاثِ الْمَجُوسِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ]

(٤٩٥٩) فَصْلٌ: فِي مِيرَاثِ الْمَجُوسِ، وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ، مِمَّنْ يَنْكِحُ ذَوَاتَ الْمَحَارِمِ، إذَا أَسْلَمُوا وَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا. لَا نَعْلَمُ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا فِي أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ بِنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْكِحَةِ، فَكُلُّ نِكَاحٍ اعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ، وَأَقَرُّوا عَلَيْهِ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ، تَوَارَثُوا بِهِ، سَوَاءٌ وُجِدَ بِشُرُوطِهِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ، وَمَا لَا يُقِرُّونَ عَلَيْهِ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ لَا يَتَوَارَثُونَ بِهِ، وَالْمَجُوسُ وَغَيْرُهُمْ فِي هَذَا سَوَاءٌ، فَلَوْ طَلَّقَ الْكَافِرُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ نَكَحَهَا، ثُمَّ أَسْلَمَا، وَمَاتَ أَحَدُهُمَا، لَمْ يُقَرَّا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَوَارَثَا بِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ إسْلَامِهِمَا، لَمْ يَتَوَارَثَا. فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ.

وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا، وَرِثَهُ الْآخَرُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَالَ زُفَرُ، وَاللُّؤْلُؤِيُّ: لَا يَتَوَارَثَانِ. وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>