وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، مَا رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) ؛ عَنْ جَرْهَدٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَآهُ قَدْ كَشَفَ عَنْ فَخِذِهِ، فَقَالَ: غَطِّ فَخِذَك؛ فَإِنَّ الْفَخِذَ مِنْ الْعَوْرَةِ» قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَلِيٍّ: لَا تَكْشِفْ فَخِذَك، وَلَا تَنْظُرْ فَخِذَ حَيٍّ، وَلَا مَيِّتٍ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ، فَكَانَ أَوْلَى.
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَسْفَلُ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ» وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ أَوْ أَجِيرَهُ، فَلَا يَنْظُرْ إلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ؛ فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ» . وَفِي لَفْظٍ: «مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ مِنْ عَوْرَتِهِ» . رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَفِي لَفْظٍ: «إذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ، عَبْدَهُ، أَوْ أَجِيرَهُ، فَلَا يَنْظُرْ إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَهَذِهِ نُصُوصٌ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُهَا، وَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ تُحْمَلُ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْفَرْجَيْنِ عَوْرَةٌ غَيْرُ مُغَلَّظَةٍ، وَالْمُغَلَّظَةُ هِيَ الْفَرْجَانِ.
وَهَذَا نَصٌّ، وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، لِتَنَاوُلِ النَّصِّ لَهُمَا جَمِيعًا. (٨٠٣) فَصْلٌ: وَلَيْسَتْ سُرَّتُهُ وَرُكْبَتَاهُ مِنْ عَوْرَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ. وَهَذَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ» . وَلَنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ؛ وَلِأَنَّ الرُّكْبَةَ حَدٌّ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ الْعَوْرَةِ كَالسُّرَّةِ. وَحَدِيثُهُمْ يَرْوِيهِ أَبُو الْجَنُوبِ، لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ النَّقْلِ.
وَقَدْ قَبَّلَ أَبُو هُرَيْرَةَ سُرَّةَ الْحَسَنِ، وَلَوْ كَانَتْ عَوْرَةً لَمْ يَفْعَلَا ذَلِكَ. (٨٠٤) فَصْلٌ: وَالْوَاجِبُ السَّتْرُ بِمَا يَسْتُرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ، فَإِنْ كَانَ خَفِيفًا يَبِينُ لَوْنُ الْجِلْدِ مِنْ وَرَائِهِ، فَيُعْلَمُ بَيَاضُهُ أَوْ حُمْرَتُهُ، لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ يَسْتُرُ لَوْنَهَا، وَيَصِفُ الْخِلْقَةَ، جَازَتْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ السَّاتِرُ صَفِيقًا.
[فَصْلٌ انْكَشَفَ مِنْ الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ فِي الصَّلَاة]
(٨٠٥) فَصْلٌ: فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ. لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَبْطُلُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْعَوْرَةِ، فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، كَالنَّظَرِ. وَلَنَا: مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ: «انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَعَلَّمَهُمْ الصَّلَاةَ، وَقَالَ: يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ. فَكُنْت أَقْرَأَهُمْ فَقَدَّمُونِي، فَكُنْت أَؤُمُّهُمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَفْرَاءُ صَغِيرَةٌ، وَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ انْكَشَفَتْ عَنِّي،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute