ذَكَرْنَاهُ، وَخَبَرِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَنْ يُسْتَعَانُ بِهِ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِمْ، لَمْ تُجْزِئْهُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ؛ لِأَنَّنَا إذَا مَنَعْنَا الِاسْتِعَانَةَ بِمَنْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِثْلَ الْمُخَذِّلِ وَالْمُرْجِفِ، فَالْكَافِرُ أَوْلَى.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، مَا رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بَدْرٍ، حَتَّى إذَا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ، أَدْرَكَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَسُرَّ الْمُسْلِمُونَ بِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْت لِأَتْبَعْك، وَأُصِيبَ مَعَك. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَتُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ. قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ أَدْرَكَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْطَلِقْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوَةً، أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قُومِي، وَلَمْ نُسْلِمْ، فَقُلْنَا: إنَّا لَنَسْتَحْيِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لَا نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ. قَالَ: «فَأَسْلَمْتُمَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» . قَالَ: فَأَسْلَمْنَا، وَشَهِدْنَا مَعَهُ. وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَشْبَهَ الْمُخَذِّلَ وَالْمُرْجِفَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَاَلَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِهِمْ غَيْرُ ثَابِتٍ.
[فَصْل لَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لِلْفَارِسِ سَهْمَ فَارِسٍ وَلَا لِلرَّاجِلِ سَهْمَ]
(٧٥٠٩) وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لِلْفَارِسِ سَهْمَ فَارِسٍ، وَلَا لِلرَّاجِلِ سَهْمَ رَاجِلٍ، كَمَا لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ الْحَدَّ. وَيَفْعَلُ الْإِمَامُ بَيْنَ أَهْلِ الرَّضْخِ مَا يَرَى، فَيُفَضِّلُ الْعَبْدَ الْمُقَاتِلَ وَذَا الْبَأْسِ، عَلَى مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ، وَيُفَضِّلُ الْمَرْأَةَ الْمُقَاتِلَةَ، وَاَلَّتِي تَسْقِي الْمَاءَ، وَتُدَاوِي الْجَرْحَى، وَتَنْفَعُ، عَلَى غَيْرِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا سَوَّيْتُمْ بَيْنَهُمْ، كَمَا سَوَّيْتُمْ بَيْنَ أَهْلِ السُّهْمَانِ؟ قُلْنَا: السَّهْمُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَوْكُولٍ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ، كَالْحَدِّ وَدِيَةِ الْحُرِّ، وَالرَّضْخُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، بَلْ هُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، مَرْدُودٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، فَاخْتَلَفَ، كَالتَّعْزِيرِ، وَقِيمَةِ الْعَبْدِ.
(٧٥١٠) فَصْلٌ: وَفِي الرَّضْخِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ بِالْمُعَاوَنَةِ فِي تَحْصِيلِ الْغَنِيمَةِ، فَأَشْبَهَ أُجْرَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute