للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحْدَاهُنَّ، أَنَّ غَنِيمَتَهُمْ كَغَنِيمَةِ غَيْرِهِمْ، يُخَمِّسُهُ الْإِمَامُ، وَيَقْسِمُ بَاقِيه بَيْنَهُمْ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] . الْآيَةَ.

وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا إذَا دَخَلُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَالثَّانِيَةُ، هُوَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمَّسَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ جِهَادٍ، فَكَانَ لَهُمْ أَشْبَهَ الِاحْتِطَابَ، فَإِنَّ الْجِهَادَ إنَّمَا يَكُونُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، أَوْ مِنْ طَائِفَةٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَقُوَّةٌ، فَأَمَّا هَذَا فَتَلَصُّصٌ وَسَرِقَةٌ وَمُجَرَّدُ اكْتِسَابٍ.

وَالثَّالِثَةُ، أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي عَبْدٍ أَبَقَ إلَى الرُّومِ، ثُمَّ رَجَعَ وَمَعَهُ مَتَاعٌ: فَالْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ، وَمَا مَعَهُ مِنْ الْمَتَاعِ وَالْمَالِ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ بِفِعْلِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ. وَالْأُولَى أَوْلَى قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَمَّا أَقْفَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَيْشَ الَّذِي كَانَ مَعَ مَسْلَمَةَ، كُسِرَ مَرْكَبُ بَعْضِهِمْ، فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ نَاسًا مِنْ الْقِبْطِ، فَكَانُوا خَدَمًا لَهُمْ، فَخَرَجُوا يَوْمًا إلَى عِيدٍ لَهُمْ، وَخَلَّفُوا الْقِبْطَ فِي مَرْكَبِهِمْ، وَشَرِبَ الْآخَرُونَ، وَرَفَعَ الْقِبْطُ الْقَلْعَ وَفِي الْمَرْكَبِ مَتَاعُ الْآخَرِينَ وَسِلَاحُهُمْ، فَلَمْ يَضَعُوا قَلْعَهُمْ حَتَّى أَتَوْا بَيْرُوتَ، فَكُتِبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيز، فَكَتَبَ عُمَرُ: نَفِّلُوهُمْ الْقَلْعَ وَكُلَّ شَيْءٍ جَاءُوا بِهِ إلَّا الْخُمْسَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالْأَثْرَمُ. وَإِنْ كَانَتْ الطَّائِفَةُ ذَاتَ مَنَعَةٍ، غَزَوْا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا شَيْءَ لَهُمْ، وَهُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وَالثَّانِيَةُ، يُخَمَّسُ، وَالْبَاقِي لَهُمْ. وَهَذَا أَصَحُّ. وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا تَقَدَّمَ. وَيُخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ كَالرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْجَمِيعَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ خُمْسٍ؛ لِكَوْنِهِ اكْتِسَابُ مُبَاحٍ مِنْ غَيْرِ جِهَادٍ.

[مَسْأَلَة غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ]

(٧٦٠٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَمَنْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ، حُرِّقَ رَحْلُهُ كُلُّهُ، إلَّا الْمُصْحَفَ، وَمَا فِيهِ رُوحٌ الْغَالُّ: هُوَ الَّذِي يَكْتُمُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَلَا يُطْلِعُ الْإِمَامَ عَلَيْهِ، وَلَا يَضَعُهُ مَعَ الْغَنِيمَةِ، فَحُكْمُهُ أَنْ يُحَرَّقَ رَحْلُهُ كُلُّهُ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَفُقَهَاءُ الشَّامِ، مِنْهُمْ مَكْحُولٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ، وَيَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ. وَأُتِيَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِغَالٍّ، فَجَمَعَ مَالَهُ وَأَحْرَقَهُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز حَاضِرٌ ذَلِكَ، فَلَمْ يَعِبْهُ. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ: السُّنَّةُ فِي الَّذِي يَغُلُّ، أَنْ يُحَرَّقَ رَحْلُهُ.

رَوَاهُمَا سَعِيدٌ، فِي سُنَنِهِ. وَقَالَ وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يُحَرَّقُ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَرِّقْ» ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَوَى، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَصَابَ غَنِيمَةً، أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ، فَيَجِيئُونَ بِغَنَائِمِهِمْ، فَيُخَمِّسُهُ، وَيَقْسِمُهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>