مَا تَحْتَهَا عَادَةً، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ كَانَ نَادِرًا، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَلَنَا أَنَّهُ شَعْرٌ سَاتِرٌ لِمَا تَحْتَهُ، أَشْبَهَ لِحْيَةَ الرَّجُلِ، وَدَعْوَى النُّدْرَةِ فِي الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ، غَيْرُ مُسَلَّمٍ، بَلْ الْعَادَةُ ذَلِكَ.
(١٥٣) فَصْلٌ: وَمَتَى غَسَلَ هَذِهِ الشُّعُورَ، ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ، أَوْ انْقَلَعَتْ جِلْدَةٌ مِنْ يَدَيْهِ، أَوْ قَصَّ ظُفْرَهُ أَوْ انْقَلَعَ، لَمْ يُؤَثِّرْ فِي طَهَارَتِهِ. قَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ مَا زَادَهُ ذَلِكَ إلَّا طَهَارَةً. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ أَنَّ ظُهُورَ بَشَرَةِ الْوَجْهِ بَعْدَ غَسْلِ شَعْرِهِ يُوجِبُ غَسْلَهَا، قِيَاسًا عَلَى ظُهُورِ قَدَمِ الْمَاسِحِ عَلَى الْخُفِّ، وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ انْتَقَلَ إلَى الشَّعْرِ أَصْلًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ الْبَشَرَةَ دُونَ الشَّعْرِ، لَمْ يُجْزِهِ، بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُمَا بَدَلٌ يُجْزِئُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ دُونَهُمَا.
[فَصْل غَسْلُ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ اللِّحْيَةِ]
(١٥٤) فَصْلٌ وَيَجِبُ غَسْلُ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ اللِّحْيَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا نَزَلَ مِنْهَا عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ طُولًا وَعَرْضًا؛ لِأَنَّهُ شَعْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَأَشْبَهَ مَا نَزَلَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ عَنْهُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا الْمُوَاجَهَةُ، وَالشَّعْرُ لَيْسَ بِبَشَرَةٍ، وَمَا تَحْتَهُ لَا تَحْصُلُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ. وَقَدْ قَالَ الْخَلَّالُ الَّذِي ثَبَتَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي اللِّحْيَةِ أَنَّهُ لَا يَغْسِلُهَا وَلَيْسَتْ مِنْ الْوَجْهِ أَلْبَتَّةَ.
قَالَ: وَرَوَى بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَيُّمَا أَعْجَبُ إلَيْك غَسْلُ اللِّحْيَةِ أَوْ التَّخْلِيلُ؟ فَقَالَ: غَسْلُهَا لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُخَلِّلْ أَجْزَأْهُ. وَهَذَا ظَاهِرٌ مِثْلُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ عَنْهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ غَسْلَ الرُّبْعِ مِنْ اللِّحْيَةِ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، وُجُوبُ غَسْلِ اللِّحْيَةِ كُلِّهَا مِمَّا هُوَ نَابِتٌ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ، سَوَاءٌ حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ أَوْ تَجَاوَزَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَوْلُ أَحْمَدَ فِي نَفْيِ الْغَسْلِ، أَرَادَ بِهِ غَسْلَ بَاطِنِهَا، أَيْ غَسْلُ بَاطِنِهَا لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا قَدْ غَطَّى لِحْيَتَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: اكْشِفْ وَجْهَكَ؛ فَإِنَّ اللِّحْيَةَ مِنْ الْوَجْهِ» ؛ وَلِأَنَّهُ نَابِتٌ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ يَدْخُلُ فِي اسْمِهِ ظَاهِرًا، فَأَشْبَهَ الْيَدَ الزَّائِدَةَ؛ وَلِأَنَّهُ يُوَاجَهُ بِهِ، فَيَدْخُلُ فِي اسْمِ الْوَجْهِ، وَيُفَارِقُ شَعْرَ الرَّأْسِ، فَإِنَّ النَّازِلَ عَنْهُ لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِهِ، وَالْخُفُّ لَا يَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِهِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.
[فَصْل يُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ فِي مَاءِ الْوَجْهِ]
(١٥٥) فَصْلٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ فِي مَاءِ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ غُضُونًا وَشُعُورًا وَدَوَاخِلَ وَخَوَارِجَ، لِيَصِلَ الْمَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute