أَيْدِيهِمَا عَلَى مِلْكٍ مَعْصُومٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. فَإِنْ غَرَّمَ الْغَاصِبَ، وَكَانَا غَيْرَ عَالِمَيْنِ بِالْغَصْبِ، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ غَرَّمَهُمَا رَجَعَا عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا غَرِمَا مِنْ الْقِيمَةِ وَالْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أَنْ لَا يَضْمَنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمَا بَدَلٌ عَمَّا ضَمِنَا.
وَإِنْ عَلِمَا أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ بِهِمَا، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ غَرِمَا شَيْئًا، لَمْ يَرْجِعَا بِهِ. وَإِنْ غَرَّمَ الْغَاصِبَ، رَجَعَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي أَيْدِيهِمَا. وَإِنْ جَرَحَهَا الْغَاصِبُ، ثُمَّ أَوْدَعَهَا، أَوْ رَدَّهَا إلَى مَالِكِهَا، فَتَلِفَتْ بِالْجَرْحِ، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ بَاشَرَهَا بِالْإِتْلَافِ فِي يَدِهِ.
[فَصْل أَعَارَ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ]
فَصْلٌ: وَإِنْ أَعَارَ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ، فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ، فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ أَجْرَهَا وَقِيمَتَهَا، فَإِنْ غَرَّمَ الْمُسْتَعِيرَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْغَصْبِ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ غَرَّمَ الْغَاصِبَ رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالْغَصْبِ، فَغَرَّمَهُ، لَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ. وَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ مِنْ الْأَجْرِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ لَهُ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي، لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ انْتَفَعَ بِهَا، فَقَدْ اسْتَوْفَى بَدَلَ مَا غَرِمَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا تَلِفَ مِنْ الْأَجْزَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ. وَإِذَا كَانَتْ الْعَيْنُ وَقْتَ الْقَبْضِ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ يَوْمِ التَّلَفِ، فَضَمِنَ الْأَكْثَرَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ بَدَلَهُ. فَإِنْ رَدَّهَا الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْغَاصِبِ، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْمِلْكَ عَلَى مَالِكِهِ بِتَسْلِيمِهِ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ. وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ إنْ حَصَلَ التَّلَفُ فِي يَدَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُودَعِ وَغَيْرِهِ.
[فَصْلٌ هِبَة الْمَغْصُوبَ لِعَالَمِ بِالْغَصْبِ]
(٣٩٧٥) فَصْلٌ: وَإِنْ وَهَبَ الْمَغْصُوبَ لِعَالَمٍ بِالْغَصْبِ، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتَّهِبِ، فَمَهْمَا غَرِمَ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ أَوْ أَجْزَائِهَا، لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدَيْهِ، وَلَمْ يَغُرَّهُ أَحَدٌ، وَكَذَلِكَ أَجْرُ مُدَّةِ مُقَامِهِ فِي يَدَيْهِ، وَأَرْشُ نَقْصِهِ إنْ حَصَلَ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلِصَاحِبِهَا تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُتَّهِبَ، رَجَعَ عَلَى الْوَاهِبِ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ وَالْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيُّهُمَا ضُمِّنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ.
وَلَنَا أَنَّ الْمُتَّهِبَ دَخَلَ عَلَى أَنْ تُسَلَّمَ لَهُ الْعَيْنُ، فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا غَرِمَ مِنْ قِيمَتِهَا، كَقِيمَةِ الْأَوْلَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute