للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يَفْسَخَ، وَصَبَرَ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ، فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْعَمَلِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَفُوتُ بِهَرَبِهِ. وَكُلُّ مَوْضِعٍ امْتَنَعَ الْأَجِيرُ مِنْ الْعَمَلِ فِيهِ، أَوْ مَنَعَ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ الِانْتِفَاعِ إذَا كَانَ بَعْدَ عَمَلِ الْبَعْضِ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهِ، عَلَى مَا سَبَقَ، إلَّا أَنْ يَرُدَّ الْعَيْنَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، أَوْ يُتِمَّ الْعَمَلَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مُدَّةٍ قَبْلَ فَسْخِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَيَكُونَ لَهُ أَجْرُ مَا عَمِلَ. فَأَمَّا إنَّ شَرَدَتْ الدَّابَّةُ، أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ فِعْلِ الْمُؤَجِّرِ، فَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى بِكُلِّ حَالٍ.

[مَسْأَلَة جَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ يَحْجِزُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ مَنْفَعَةِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ]

(٤١٧٨) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَإِنْ جَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ، يَحْجِزُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ مَنْفَعَةِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، لَزِمَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِمِقْدَارِ مُدَّةِ انْتِفَاعِهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا مُدَّةً، فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِانْتِفَاعِ بِهَا، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا أَنْ تَتْلَفَ الْعَيْنُ، كَدَابَّةٍ تَنْفُقُ، أَوْ عَبْدٍ يَمُوتُ، فَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا أَنْ تَتْلَفَ قَبْلَ قَبْضِهَا، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ الطَّعَامُ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَالثَّانِي أَنْ تَتْلَفَ عَقِيبَ قَبْضِهَا، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ أَيْضًا، وَيَسْقُطُ الْأَجْرُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، إلَّا أَبَا ثَوْرٍ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَسْتَقِرُّ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، أَشْبَهَ الْمَبِيعَ

وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنَافِعُ، وَقَبْضُهَا بِاسْتِيفَائِهَا، أَوْ التَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَائِهَا، وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ، فَأَشْبَهَ تَلَفَهَا قَبْلَ قَبْضِ الْعَيْنِ. الثَّالِثُ أَنْ تَتْلَفَ بَعْدَ مُضِيِّ شَيْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ دُونَ مَا مَضَى، وَيَكُونُ لِلْمُؤَجِّرِ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ: إذَا اكْتَرَى بَعِيرًا بِعَيْنِهِ، فَنَفَقَ الْبَعِيرُ، يُعْطِيه بِحِسَابِ مَا رَكِبَ. وَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنَافِعُ، وَقَدْ تَلِفَ بَعْضُهَا قَبْلَ قَبْضِهِ، فَبَطَلَ الْعَقْدُ فِيمَا تَلِفَ دُونَ مَا قَبَضَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى صُبْرَتَيْنِ، فَقَبَضَ إحْدَاهُمَا، وَتَلِفَتْ الْأُخْرَى قَبْلَ قَبْضِهَا، ثُمَّ نَنْظُرُ؛ فَإِنْ كَانَ أَجْرُ الْمُدَّةِ مُتَسَاوِيًا، فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا مَضَى

إنْ كَانَ قَدْ مَضَى النِّصْفُ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأَجْرِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى الثُّلُثُ، فَعَلَيْهِ الثُّلُثُ، كَمَا يُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى الْمَبِيعِ الْمُتَسَاوِي. وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا، كَدَارٍ أَجْرُهَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>