[فَصْل يَلْزَم الْمُتَمَتِّع التَّقْصِير أَوْ الْحَلْق مِنْ جَمِيع شَعْره وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة]
(٢٤٨٧) فَصْلٌ: يَلْزَمُ التَّقْصِيرُ أَوْ الْحَلْقُ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ، يُجْزِئُهُ الْبَعْضُ. مَبْنِيًّا عَلَى الْمَسْحِ فِي الطَّهَارَةِ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْزِئُهُ التَّقْصِيرُ مِنْ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التَّقْصِيرِ؛ لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: ٢٧] . وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِهِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ، تَفْسِيرًا لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بِهِ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ تَعَلَّقَ بِالرَّأْسِ فَوَجَبَ اسْتِيعَابُهُ بِهِ، كَالْمَسْحِ. فَإِنْ كَانَ الشَّعْرُ مَضْفُورًا، قَصَّرَ مِنْ رُءُوسِ ضَفَائِرِهِ. كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: تُقَصِّرُ الْمَرْأَةُ مِنْ جَمِيعِ قُرُونِهَا. وَلَا يَجِبُ التَّقْصِيرُ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِحَلْقِهِ.
[فَصْل السُّنَّةَ فِي الْحَجّ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ]
(٢٤٨٨) فَصْلٌ: وَأَيُّ قَدْرٍ قَصَّرَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: يُقَصِّرُ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ قَصَّرَ الشَّعْرَ أَجْزَأَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ نَتَفَهُ، أَوْ أَزَالَهُ بِنَوْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إزَالَتُهُ، وَالْأَمْرُ بِهِ مُطْلَقٌ، فَيَتَنَاوَلُ، مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، وَيُسْتَحَبُّ الْبِدَايَةُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ. نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِمَا رَوَى أَنَسٌ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْحَلَّاقِ: خُذْ. وَأَشَارَ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْجِبُهُ التَّيَامُنُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: يَبْدَأُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ، حَتَّى يُجَاوِزَ الْعَظْمَتَيْنِ. وَإِنْ قَصَّرَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ مَا نَزَلَ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ، أَوْ مِمَّا يُحَاذِيهِ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّقْصِيرُ، وَقَدْ حَصَلَ، بِخِلَافِ الْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ؛ فَإِنَّ الْوَاجِبَ الْمَسْحُ عَلَى الرَّأْسِ، وَهُوَ مَا تَرَأَّسَ وَعَلَا.
[مَسْأَلَة طَوَافُ النِّسَاءِ وَسَعْيُهُنَّ]
(٢٤٨٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَطَوَافُ النِّسَاءِ وَسَعْيُهُنَّ مَشْيٌ كُلُّهُ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّهُ لَا رَمَلَ عَلَى النِّسَاءِ حَوْلَ الْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ اضْطِبَاعٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِمَا إظْهَارُ الْجَلَدِ، وَلَا يُقْصَدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَلِأَنَّ النِّسَاءَ يُقْصَدُ فِيهِنَّ السَّتْرُ، وَفِي الرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ تَعَرُّضٌ لِلتَّكَشُّفِ.
[مَسْأَلَة السَّعْي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَة عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ]
(٢٤٩٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ سَعْي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، كَرِهْنَا لَهُ ذَلِكَ، وَأَجْزَأَهُ) أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الطَّهَارَةُ لِلسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عَطَاءٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: إنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ، فَلْيُعِدْ الطَّوَافَ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَمَا حَلَّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute