ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ غَيْرَ طَاهِرٍ، مُدْرِكٌ لِلْحَجِّ. وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَفِي «قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ: افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ.» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَائِزٌ، وَوَقَفَتْ عَائِشَةُ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، بِهَا حَائِضًا بِأَمْرِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا. قَالَ أَحْمَدُ: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا عَلَى وُضُوءٍ، كَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: لَا يَقْضِي شَيْئًا مِنْ الْمَنَاسِكِ إلَّا عَلَى وُضُوءٍ. .
[مَسْأَلَة إذَا دَفَعَ الْإِمَامُ إلَى مُزْدَلِفَةَ دَفَعَ مَعَهُ]
(٢٥١٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِذَا دَفَعَ الْإِمَامُ، دَفَعَ مَعَهُ إلَى مُزْدَلِفَةَ) الْإِمَامُ هَاهُنَا الْوَالِي الَّذِي إلَيْهِ أَمْرُ الْحَجِّ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ. وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَدْفَعُوا حَتَّى يَدْفَعَ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَدْفَعَ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ. وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: مَا وَجَدْت عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ سَهَّلَ فِيهِ، كُلُّهُمْ يُشَدِّدُ فِيهِ. فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ حَتَّى يَدْفَعَ الْإِمَامُ، ثُمَّ يَسِيرُ نَحْوَ الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَفَعَ، وَقَدْ شَنَقَ لِنَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ بِالزِّمَامِ، حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيب مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: «أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ» . هَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا لِلْإِبِلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إلَيْهِمْ، وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِإِيضَاعِ الْإِبِلِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ عُرْوَةُ: «سُئِلَ أُسَامَةُ، وَأَنَا جَالِسٌ، كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» . قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
[مَسْأَلَة الْإِكْثَار مِنْ الذَّكَر بَعْدَ الْإِفَاضَة مِنْ عَرَفَاتٍ]
(٢٥١٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ، وَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى) ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يُسْتَحَبُّ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا، وَهُوَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَشَدُّ تَأْكِيدًا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة: ١٩٨] . وَلِأَنَّهُ زَمَنُ الِاسْتِشْعَارِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّلَبُّسِ بِعِبَادَتِهِ، وَالسَّعْيِ إلَى شَعَائِرِهِ. وَتُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ. وَذَكَرَ قَوْمٌ أَنَّهُ لَا يُلَبِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute