(٧٥٤٢) فَصْلٌ: وَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ بِهِبَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لَوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قُسِمَ.
وَلَنَا، مَا رُوِيَ، أَنَّ قَوْمًا أَغَارُوا عَلَى سَرْحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذُوا نَاقَتَهُ، وَجَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، فَأَقَامَتْ عِنْدَهُمْ أَيَّامًا، ثُمَّ خَرَجَتْ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، قَالَتْ: فَمَا وَضَعْت يَدِي عَلَى نَاقَةٍ إلَّا رَغَتْ، حَتَّى وَضَعْتهَا عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ، فَامْتَطَيْتهَا، ثُمَّ تَوَجَّهْت إلَى الْمَدِينَةِ، وَنَذَرْت إنْ نَجَّانِي اللَّهُ عَلَيْهَا أَنْ أَنْحَرَهَا، فَلَمَّا قَدِمْت الْمَدِينَةَ، اسْتَعْرَفْت النَّاقَةَ، فَإِذَا هِيَ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَهَا، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْت أَنْ أَنْحَرَهَا. فَقَالَ: «بِئْسَمَا جَازَيْتِهَا، لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ.
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِهِ بِعِوَضٍ، فَكَانَ صَاحِبُهُ أَحَقَّ بِهِ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قَسْمِهِ.
فَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَدُوِّ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ إلَّا بِثَمَنِهِ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَرِيزٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَغَارَ أَهْلُ مَاهَ وَأَهْلُ جَلُولَاءَ عَلَى الْعَرَبِ، فَأَصَابُوا سَبَايَا مِنْ سَبَايَا الْعَرَبِ، وَرَقِيقًا، وَمَتَاعًا، ثُمَّ إنَّ السَّائِبَ بْنَ الْأَقْرَعِ عَامِلَ عُمَرَ غَزَاهُمْ، فَفَتَحَ مَاهَ، فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ فِي سَبَايَا الْمُسْلِمِينَ وَرَقِيقِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ، قَدْ اشْتَرَاهُ التُّجَّارُ مِنْ أَهْلِ مَاهَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَخُونُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَصَابَ رَقِيقَهُ وَمَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ فِي أَيْدِي التُّجَّارِ بَعْدَمَا اُقْتُسِمَ، فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَأَيُّمَا حُرٍّ اشْتَرَاهُ التُّجَّارُ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ رُءُوسُ أَمْوَالِهِمْ، فَإِنَّ الْحُرَّ لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى.
وَقَالَ الْقَاضِي: مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ بِهِبَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ شِرَاءٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، هَلْ يَكُونُ صَاحِبُهُ أَحَقَّ بِهِ بِالْقِيمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ بِمَالِ الْمُسْلِمِ قَبْلَ قَسْمِهِ، فَقَسَمَهُ، وَجَبَ رَدُّهُ، وَكَانَ صَاحِبُهُ أَحَقَّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ كَانَتْ بَاطِلَةً مِنْ أَصْلِهَا.
[فَصْلٌ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُعْلَمْ صَاحِبُهُ]
(٧٥٤٣) فَصْلٌ: وَإِنْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يُعْلَمْ صَاحِبُهُ، فَهُوَ غَنِيمَةٌ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي مَرَاكِبَ تَجِيءُ مِنْ مِصْرَ، يَقْطَعُ عَلَيْهَا الرُّومُ فَيَأْخُذُونَهَا، ثُمَّ يَأْخُذُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ: إنْ عُرِفَ صَاحِبُهَا فَلَا يُؤْكَلُ مِنْهَا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهَا جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا.
وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، قَالَا فِي الْمُصْحَفِ يَحْصُلُ فِي الْغَنَائِمِ: يُبَاعُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُوقَفُ حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهُ. وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute