[مَسْأَلَة الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا تَلْفِت الْعَيْنُ مِنْ حِرْزِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ]
(٤٢٨٦) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ حِرْزٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا أَجْرَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ فِيهَا) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا تَلْفِت الْعَيْنُ مِنْ حِرْزِهِ، مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ وَلَا تَفْرِيطٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ: لَا يَضْمَنُ. نَصَّ عَلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، إنْ كَانَ هَلَاكُهُ بِمَا اسْتَطَاعَ، ضَمِنَهُ، وَإِنْ كَانَ غَرَقًا أَوْ عَدُوًّا غَالِبًا، فَلَا ضَمَانَ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: إذَا جَنَتْ يَدُهُ، أَوْ ضَاعَ مِنْ بَيْنِ مَتَاعِهِ، ضَمِنَهُ، وَإِنْ كَانَ عَدُوًّا أَوْ غَرَقًا، فَلَا ضَمَانَ
وَنَحْوُ هَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ. وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ إذَا تَلِفَ مِنْ بَيْنِ مَتَاعِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ. وَلِهَذَا قَالَ فِي الْوَدِيعَةِ، فِي رِوَايَةٍ: إنَّهَا تُضْمَنُ إذَا ذَهَبَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ التَّضْمِينَ بِمَا إذَا تَلِفَ مِنْ بَيْنِ مَتَاعِهِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا تَلِفَ مَعَ مَتَاعِهِ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ وَلَا عُدْوَانٌ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ تَلِفَتْ بِأَمْرٍ غَالِبٍ
وَقَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَضْمَنُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» . وَلِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا، كَالْمُسْتَعِيرِ. وَلَنَا أَنَّهَا عَيْنٌ مَقْبُوضَةٌ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، لَمْ يُتْلِفْهَا بِفِعْلِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا لِنَفْعٍ يَعُودُ إلَيْهِمَا، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَكَمَا لَوْ تَلِفَتْ بِأَمْرٍ غَالِبٍ. وَيُخَالِفُ الْعَارِيَّةُ، فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِنَفْعِهَا. وَالْخَبَرُ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأُصُولِ، فَيَخُصُّ مَحَلَّ النِّزَاعِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهُ، كَالْمَبِيعِ مِنْ الطَّعَامِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ.
[فَصْل حَبَسَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ بَعْدَ عَمَلِهِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْأَجْرِ فَتَلِفَ]
(٤٢٨٧) فَصْلٌ: وَإِذَا حَبَسَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ بَعْدَ عَمَلِهِ، عَلَى اسْتِيفَاءِ الْأَجْرِ، فَتَلِفَ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْهُ عِنْدَهُ، وَلَا أَذِنَ لَهُ فِي إمْسَاكِهِ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ، كَالْغَاصِبِ.
[فَصْل أَخْطَأَ الْقَصَّارُ فَدَفَعَ الثَّوْبَ إلَى غَيْرِ مَالِكِهِ]
فَصْلٌ: إذَا أَخْطَأَ الْقَصَّارُ، فَدَفَعَ الثَّوْبَ إلَى غَيْرِ مَالِكِهِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى مَالِكِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: يَغْرَمُ الْقَصَّارُ، وَلَا يَسَعُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ لُبْسُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ ثَوْبَهُ، وَعَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى الْقَصَّارِ، وَيُطَالِبُهُ بِثَوْبِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute