[فَصْلٌ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا تَجِبُ قِيمَتُهُ فِي الشُّفْعَة]
(٤٠٥٤) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا تَجِبُ قِيمَتُهُ، فَإِنَّهَا تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَا اعْتِبَارَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ، اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ حِينَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ وَاسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْمُحَاكَمَةِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ وَقْتُ الْعَقْدِ، وَمَا زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، فَلَا يَقُومُ لِلْمُشْتَرِي، وَمَا نَقَصَ فَمِنْ مَالِ الْبَائِعِ، فَلَا يَنْقُصُ بِهِ حَقُّ الْمُشْتَرِي.
[فَصْلٌ كَانَ الثَّمَنُ الْمُشْتَرَى بِهِ مُؤَجَّلًا فِي الشُّفْعَة]
فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا، أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِذَلِكَ الْأَجَلِ، إنْ كَانَ مَلِيئًا، وَإِلَّا أَقَامَ ضَمِينًا مَلِيئًا وَأَخَذَ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِالنَّقْدِ حَالًّا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِثَمَنِ حَالٍ، أَوْ يَنْتَظِرُ مُضِيَّ الْأَجَلِ ثُمَّ يَأْخُذُ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَمَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ بِالْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِي قَبُولَ ذِمَّةِ الشَّفِيعِ، وَالذِّمَمُ لَا تَتَمَاثَلُ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ بِمِثْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ بِمِثْلِهِ حَالًّا، لِئَلَّا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِمَّا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي، وَلَا بِسِلَعِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ إلَى الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ، وَالسِّلْعَةُ لَيْسَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّخْيِيرُ.
وَلَنَا، أَنَّ الشَّفِيعَ تَابِعٌ لِلْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ، وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَلِأَنَّ فِي الْحُلُولِ زِيَادَةً عَلَى التَّأْجِيلِ، فَلَمْ يَلْزَمْ الشَّفِيعَ، كَزِيَادَةِ الْقَدْرِ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ اخْتِلَافِ الذِّمَمِ، فَإِنَّنَا لَا نُوجِبُهَا حَتَّى تُوجَدَ الْمُلَاءَةُ فِي الشَّفِيعِ، أَوْ فِي ضَمِينِهِ، بِحَيْثُ يَنْحَفِظُ الْمَالُ، فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُمَا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى الشِّقْصَ بِسِلْعَةٍ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُمَا.
وَمَتَى أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَجَلِ، فَمَاتَ الشَّفِيعُ أَوْ الْمُشْتَرِي، وَقُلْنَا: يَحِلُّ الدَّيْنُ بِالْمَوْتِ. حَلَّ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ حُلُولِهِ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَّ بِمَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ.
[فَصْلٌ بَاعَ شِقْصًا مَشْفُوعًا وَمَعَهُ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَالسَّيْفِ وَالثَّوْبِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ]
(٤٠٥٦) فَصْلٌ: وَإِذَا بَاعَ شِقْصًا مَشْفُوعًا، وَمَعَهُ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ، كَالسَّيْفِ وَالثَّوْبِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ فِي الشِّقْصِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ دُونَ مَا مَعَهُ، فَيُقَوَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا، فَمَا يَخُصُّ الشِّقْصَ يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ الشُّفْعَةُ، لِئَلَّا تَتَبَعَّضَ صَفْقَةُ الْمُشْتَرِي، وَفِي ذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَ بَعْضِ الشِّقْصِ.
وَقَالَ مَالِكٌ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيهِمَا؛ لِذَلِكَ. وَلَنَا، أَنَّ السَّيْفَ لَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَلَا هُوَ تَابِعٌ لِمَا فِيهِ الشُّفْعَةُ، فَلَمْ يُؤْخَذْ بِالشُّفْعَةِ، كَمَا لَوْ أَفْرَدَهُ، وَمَا