أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ أَصَابِعِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ» .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: سُنَّةُ الْمَسْحِ هَكَذَا، أَنْ يَمْسَحَ خُفَّيْهِ بِيَدَيْهِ الْيُمْنَى لِلْيُمْنَى وَالْيُسْرَى لِلْيُسْرَى، وَقَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَمَا فَعَلَهُ فَهُوَ جَائِزٌ، بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ أَوْ بِالْيَدَيْنِ، وَقَوْلُ الْحَسَنِ، مَعَ مَا ذَكَرْنَا، لَا يَتَنَافَيَانِ.
[فَصْل الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ بِخِرْقَةِ أَوْ خَشَبَةٍ]
(٤٣٣) فَصْلٌ: فَإِنْ مَسَحَ بِخِرْقَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ، احْتَمَلَ الْإِجْزَاءَ؛ لِأَنَّهُ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَاحْتَمَلَ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِيَدِهِ. وَإِنْ مَسَحَ بِإِصْبَعٍ أَوْ إصْبَعَيْنِ، أَجْزَأَهُ إذَا كَرَّرَ الْمَسْحَ بِهَا، حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الْمَسْحِ بِأَصَابِعِهِ. وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: يَمْسَحُ بِالرَّاحَتَيْنِ أَوْ بِالْأَصَابِعِ؟ قَالَ: بِالْأَصَابِعِ. قِيلَ لَهُ: أَيُجْزِئُهُ بِإِصْبَعَيْنِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ.
[فَصْل غَسَلَ الْخُفَّ]
(٤٣٤) فَصْلٌ: وَإِنْ غَسَلَ الْخُفَّ، فَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ، وَأَجَازَهُ ابْنُ حَامِدٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الْمَسْحِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالْمَسْحِ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ، فَلَمْ يُجْزِهِ، كَمَا لَوْ طَرَحَ التُّرَابَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ فِي التَّيَمُّمِ، لَكِنْ إنْ أَمَرَّ يَدَيْهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي حَالِ الْغَسْلِ، أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَسَحَ.
[مَسْأَلَة مَسَحَ أَسْفَلِ الْخُفّ دُونَ أَعْلَاهُ]
(٤٣٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ مَسَحَ أَسْفَلَهُ دُونَ أَعْلَاهُ، لَمْ يُجْزِهِ) لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: يُجْزِئُهُ مَسْحُ أَسْفَلِ الْخُفِّ، إلَّا أَشْهَبَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَبَعْضَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَسَحَ بَعْضَ مَا يُحَاذِي مَحَلَّ الْفَرْضِ، فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ مَسَحَ ظَاهِرَهُ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِفَرْضِ الْمَسْحِ، فَلَمْ يُجْزِئْ مَسْحُهُ كَالسَّاقِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا مَسَحَ ظَاهِرَ الْخُفِّ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُجْزِئُ مَسْحُ ظَاهِرِهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ يَقُولُ: لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى أَعْلَى الْخُفِّ
[فَصْل الْمَسْحِ عَلَى عَقِبِ الْخُفِّ]
(٤٣٦) فَصْلٌ: وَالْحُكْمُ فِي الْمَسْحِ عَلَى عَقِبِ الْخُفِّ كَالْحُكْمِ فِي مَسْحِ أَسْفَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِفَرْضِ الْمَسْحِ، فَهُوَ كَأَسْفَلِهِ
[مَسْأَلَة الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخِفَافِ سَوَاء]
(٤٣٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ يَعْنِي فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخِفَافِ، وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ وَشُرُوطِهِ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ أُقِيمَ مُقَامَ الْغَسْلِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، كَالتَّيَمُّمِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَمْسَحَا عَلَى الْخُفِّ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ الَّتِي لَبِسَا الْخُفَّ عَلَيْهَا لَا يُسْتَبَاحُ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَنَا عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ» . وَلِأَنَّ