[فَصْلٌ بَيْعُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَا الْأَخْضَرِ فِي قِشْرَتِهِ مَقْطُوعًا]
(٢٩١٣) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا الْأَخْضَرِ فِي قِشْرَتِهِ مَقْطُوعًا، وَفِي شَجَرِهِ، وَبَيْعُ الْحَبِّ الْمُشْتَدِّ فِي سُنْبُلِهِ، وَبَيْعُ الطَّلْعِ قَبْلَ تَشَقُّقِهِ، مَقْطُوعًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَفِي شَجَرِهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، حَتَّى يُنْزَعَ عَنْهُ قِشْرُهُ الْأَعْلَى، إلَّا فِي الطَّلْعِ وَالسُّنْبُلِ. فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِمَا لَا يُدَّخَرُ عَلَيْهِ، وَلَا مَصْلَحَةَ فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، كَتُرَابِ الصَّاغَةِ وَالْمَعَادِنِ، وَبَيْعِ الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ فِي سَلْخِهِ.
وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ، وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ.» فَمَفْهُومُهُ إبَاحَةُ بَيْعِهِ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَابْيَضَّ سُنْبُلُهُ، وَلِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِحَائِلٍ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ، فَجَازَ بَيْعُهُ كَالرُّمَّانِ، وَالْبَيْضِ، وَالْقِشْرِ الْأَسْفَلِ. وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ: لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ. فَإِنَّهُ لَا قِوَامَ لَهُ فِي شَجَرِهِ إلَّا بِهِ، وَالْبَاقِلَّا يُؤْكَلُ رَطْبًا، وَقِشْرُهُ يَحْفَظُ رُطُوبَتَهُ. وَلِأَنَّ الْبَاقِلَّا يُبَاعُ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا. وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ، وَاللَّوْزُ فِي شَجَرِهِمَا.
وَالْحَيَوَانُ الْمَذْبُوحُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي سَلْخِهِ، فَإِنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ ذَبْحِهِ، وَهُوَ يُرَادُ لِلذَّبْحِ، فَكَذَلِكَ إذَا ذُبِحَ. كَمَا أَنَّ الرُّمَّانَةَ إذَا جَازَ بَيْعُهَا قَبْلَ كَسْرِهَا، فَكَذَلِكَ إذَا كُسِرَتْ. وَأَمَّا تُرَابُ الصَّاغَةِ وَالْمَعْدِنِ، فَلَنَا فِيهِمَا مَنْعٌ، وَإِنْ سُلِّمَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَصِلْ الْخِلْقَةِ فِي تُرَابِ الصَّاغَةِ، وَلَا بَقَاؤُهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
[مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الرَّطْبَة وَمَا أَشْبَهَهَا]
(٢٩١٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ الرَّطْبَةُ كُلَّ جَزَّةٍ.
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّطْبَةَ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا تَثْبُتُ أُصُولُهُ فِي الْأَرْضِ، وَيُؤْخَذُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ بِالْقَطْعِ، دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ، كَالنَّعْنَاعِ، وَالْهِنْدَبَا، وَشِبْهِهِمَا، لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ الظَّاهِرَ مِنْهُ، بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ. وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ. وَرَخَّصَ مَالِكٌ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ جَزَّتَيْنِ، وَثَلَاثًا. وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْهُ مَسْتُورٌ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ مَعْدُومٌ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا يَحْدُثُ مِنْ الثَّمَرَةِ.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمَتَى اشْتَرَاهَا قَبْلُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ إبْقَاؤُهَا؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا أَعْيَانٌ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا الْبَيْعُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ إذَا ظَهَرَ، فَيُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ، وَالثَّمَرَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. فَإِنْ أَخَّرَهَا حَتَّى طَالَتْ، فَالْحُكْمُ فِيهَا كَالثَّمَرَةِ إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى بَدَا صَلَاحُهَا.
[فَصْلٌ اشْتَرَى قَصِيلًا مِنْ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ فَقَطَعَهُ ثُمَّ عَادَ فَنَبَتَ]
(٢٩١٥) فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى قَصِيلًا مِنْ شَعِيرٍ، وَنَحْوِهِ، فَقَطَعَهُ، ثُمَّ عَادَ فَنَبَتَ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَرَكَ الْأَصْلَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ لَهَا، فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا، كَمَا يَسْقُطُ حَقُّ صَاحِبِ الزَّرْعِ مِنْ السَّنَابِلِ الَّتِي يُخَلِّفُهَا، وَلِذَلِكَ أُبِيحَ لِكُلِّ أَحَدٍ الْتِقَاطُهَا. وَلَوْ سَقَطَ مِنْ الزَّرْعِ حَبٌّ، ثُمَّ نَبَتَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
وَمِمَّا يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَا؛ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَرَادَ