للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ سَلَّمَ إلَيْهِ مَا تَنَاوَلَهُ عَقْد السَّلَم]

(٣٢٤٥) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَقَلُّ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَدْ سَلَّمَ إلَيْهِ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ، فَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ. وَعَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ الْحِنْطَةَ نَقِيَّةً مِنْ التِّبْنِ وَالْقَصْلِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ، مِمَّا لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْحِنْطَةِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ تُرَابٌ كَثِيرٌ يَأْخُذُ مَوْضِعًا مِنْ الْمِكْيَالِ، لَمْ يَجُزْ.

وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ وَلَا يَعِيبُهَا، لَزِمَهُ أَخْذُهُ. وَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ التَّمْرِ إلَّا جَافًّا. وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَنَاهَى جَفَافُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ. وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْبَلَ مَعِيبًا بِحَالِ، وَمَتَى قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا، فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَدَلِ أَوْ الْأَرْشِ، كَالْمَبِيعِ سَوَاءً.

[فَصْلٌ لَا يَقْبِضُ الْمَكِيل إلَّا بِالْكَيْلِ وَلَا الْمَوْزُون إلَّا بِالْوَزْنِ]

(٣٢٤٦) فَصْلٌ: وَلَا يَقْبِضُ الْمَكِيلَ إلَّا بِالْكَيْلِ، وَلَا الْمَوْزُونَ إلَّا بِالْوَزْنِ، وَلَا يَقْبِضُهُ جُزَافًا، وَلَا بِغَيْرِ مَا يُقَدَّرُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ يَخْتَلِفَانِ، فَإِنْ قَبَضَهُ بِذَلِكَ، فَهُوَ كَقَبْضِهِ جُزَافًا، فَيُقَدِّرُهُ بِمَا أَسْلَمَ فِيهِ، وَيَأْخُذُ قَدْرَ حَقِّهِ، وَيَرُدُّ الْبَاقِي، وَيُطَالِبُ بِالْعِوَضِ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْتَبِرَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، مَضَى ذِكْرُهُمَا فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ مَعَ يَمِينِهِ.

قَالَ الْقَاضِي: وَيُسْلِمُ إلَيْهِ مِلْءَ الْمِكْيَالِ وَمَا يَحْمِلُهُ، وَلَا يَكُونُ مَمْسُوحًا، وَلَا يَدُقُّ وَلَا يَهُزُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَسْلَمْت إلَيْك فِي قَفِيزٍ. يَقْتَضِي مَا يَسَعُهُ الْمِكْيَالُ وَمَا يَحْمِلُهُ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا.

[مَسْأَلَةٌ الرَّهْن وَالضَّمِينِ فِي السَّلَم]

(٣٢٤٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ:

(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ رَهْنًا، وَلَا كَفِيلًا مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ) وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِي السَّلَمِ، فَرَوَى الْمَرْوَزِيِّ، وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو طَالِبٍ، مَنْعَ ذَلِكَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ. وَرُوِيَتْ كَرَاهَة ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ.

وَرَوَى حَنْبَلٌ جَوَازَهُ. وَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَالْحَكَمُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: ٢٨٢] .

إلَى قَوْله {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] .

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ السَّلَم. وَلِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، فَيَدْخُلُ السَّلَمُ فِي عُمُومِهِ. وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْبَيْعِ، فَجَازَ أَخْذُ الرَّهْنِ بِمَا فِي الذِّمَّةِ مِنْهُ، كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ.

وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ الرَّاهِنَ وَالضَّمِينَ إنْ أَخَذَا بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، فَقَدْ أَخَذَا بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبِ وَلَا مَآلُهُ إلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ مَلَكَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، وَإِنْ أَخَذَا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ، فَالرَّهْنُ إنَّمَا يَجُوزُ بِشَيْءِ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ، وَلَا مِنْ ذِمَّةِ الضَّامِنِ. وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ بِعُدْوَانٍ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>