للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَاب إحْيَاء الْمَوَاتِ]

ِ الْمَوَاتُ: هُوَ الْأَرْضُ الْخَرَابُ الدَّارِسَةُ، تُسَمَّى مَيْتَةً وَمَوَاتًا وَمَوَتَانًا، بِفَتْحِ الْمِيم وَالْوَاوِ، وَالْمَوْتَانُ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ: الْمَوْتُ الذَّرِيعُ. وَرَجُلٌ مَوْتَانُ الْقَلْبِ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ، يَعْنِي: أَعْمَى الْقَلْبِ، لَا يَفْهَمُ.

وَالْأَصْلُ فِي إحْيَاءِ الْأَرْضِ، مَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَى مَالِكٌ، فِي " مُوَطَّئِهِ "، وَأَبُو دَاوُد، فِي " سُنَنِهِ " عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهُوَ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ، مُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ، فِي " الْأَمْوَالِ " عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» . قَالَ عُرْوَةُ: وَقَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خِلَافَتِهِ

وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْمَوَاتَ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي شُرُوطِهِ.

[مَسْأَلَة مَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَمْ تُمْلَكْ]

(٤٣٣١) مَسْأَلَةٌ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: (وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَمْ تُمْلَكْ، فَهِيَ لَهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَوَاتَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَثَرُ عِمَارَةٍ، فَهَذَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِالْإِحْيَاءِ. وَالْأَخْبَارُ الَّتِي رَوَيْنَاهَا مُتَنَاوِلَةٌ لَهُ.

الْقِسْمُ الثَّانِي، مَا جَرَى عَلَيْهِ مِلْكُ مَالِكٍ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا مَا لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ، وَهُوَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا، مَا مُلِكَ بِشِرَاءٍ أَوْ عَطِيَّةٍ، فَهَذَا لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَا عُرِفَ بِمِلْكِ مَالِكٍ غَيْرِ مُنْقَطِعٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ لِأَحَدٍ غَيْرِ أَرْبَابِهِ.

الثَّانِي مَا مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ، ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى دَثَرَ وَعَادَ مَوَاتًا، فَهُوَ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءً. وَقَالَ مَالِكٌ: يُمْلَكُ هَذَا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» . وَلِأَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْأَرْضِ مُبَاحٌ، فَإِذَا تُرِكَتْ حَتَّى تَصِيرَ مَوَاتًا عَادَتْ إلَى الْإِبَاحَةِ، كَمَنْ أَخَذَ مَاءً مِنْ نَهْرٍ ثُمَّ رَدَّهُ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>