[فَصْلٌ الزِّنَى فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ]
(٥٣٥٧) فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْن الزِّنَى فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فِيمَا إذَا وُجِدَ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، فَكَذَلِكَ فِي الزِّنَى. فَإِنْ تَلَوَّطَ بِغُلَامٍ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ أَيْضًا، فَيَحْرُمُ عَلَى اللَّائِطِ أُمُّ الْغُلَامِ وَابْنَتُهُ، وَعَلَى الْغُلَامِ أُمُّ اللَّائِطِ وَابْنَتُهُ. قَالَ: وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي الْفَرْجِ، فَنَشَرَ الْحُرْمَةَ، كَوَطْءِ الْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّهَا بِنْتُ مَنْ وَطِئَهُ وَأُمُّهُ، فَحَرُمَتَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ أُنْثَى.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ ذَلِكَ كَالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ، يَكُونُ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِنَّ فِي التَّحْرِيمِ، فَيَدْخُلْنَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَلِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِنَّ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُ التَّحْرِيمِ فِيهِنَّ، فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِنَّ فِي هَذَا حَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ، وَمَنْ نَكَحَهُنَّ الْآبَاءُ وَأُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَبَنَاتُهُنَّ، وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ مِنْهُنَّ، وَلَا فِي مَعْنَاهُنَّ
؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الْمَرْأَةِ يَكُونُ سَبَبًا لِلْبَعْضِيَّةِ، وَيُوجِبُ الْمَهْرَ، وَيَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ، وَتَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا، وَيُثْبِتُ أَحْكَامًا لَا يُثْبِتُهَا اللِّوَاطُ، فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِهِنَّ؛ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ، وَانْقِطَاعِ الشَّبَهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَرْضَعَ الرَّجُلُ طِفْلًا، لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُكْمُ التَّحْرِيمِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى. وَإِنْ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا شَبَهٌ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْكِتَابِ بِهِ، وَاطِّرَاحُ النَّصِّ بِمِثْلِهِ.
[فَصْلٌ نِكَاحُ بِنْتِهِ مِنْ الزِّنَى وَأُخْتِهِ وَبِنْتِ ابْنِهِ وَبِنْتِ بِنْتِهِ وَبِنْتِ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ مِنْ الزِّنَى]
(٥٣٥٨) فَصْلٌ: وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نِكَاحُ بِنْتِهِ مِنْ الزِّنَى، وَأُخْتِهِ، وَبِنْتِ ابْنِهِ، وَبِنْتِ بِنْتِهِ، وَبِنْتِ أَخِيهِ، وَأُخْتِهِ مِنْ الزِّنَى. وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ: يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ وَلَا تُنْسَبُ إلَيْهِ شَرْعًا، وَلَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا، وَلَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهَا، وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا، فَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ، كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] .
وَهَذِهِ بِنْتُهُ، فَإِنَّهَا أُنْثَى مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ، وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ لَا تَخْتَلِفُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: «اُنْظُرُوهُ. يَعْنِي وَلَدَهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ» . يَعْنِي الزَّانِيَ. وَلِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ لَا تَخْتَلِفُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، فَأَشْبَهْت الْمَخْلُوقَةَ مَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ، وَلِأَنَّهَا بِضْعَةٌ مِنْهُ، فَلَمْ تَحِلَّ لَهُ، كَبِنْتِهِ مِنْ النِّكَاحِ، وَتَخَلُّفُ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَا يَنْفِي كَوْنَهَا بِنْتًا، كَمَا لَوْ تَخَلَّفَ لِرِقٍّ أَوْ اخْتِلَافِ دِينٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute