وَأَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَأْكِيدِهِ؛ لِمَا قَدْ وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي الْأَمْرِ بِهِ، وَالْحَثِّ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ كَلَامُهُ مَخْرَجَ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: الْوِتْرُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرْضِ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا صَلَّى الْفَرِيضَةَ وَحْدَهَا، جَازَ لَهُ وَهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ؛ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالْوِتْرُ، فَإِنْ شَاءَ قَضَى الْوِتْرَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْضِهِ، وَلَيْسَ هُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَكْتُوبَةِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَقَالَ الْقَاضِي: رَكْعَتَا الْفَجْرِ آكَدُ مِنْ الْوِتْرِ؛ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِعَدَدٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، فَأَشْبَهَا الْمَكْتُوبَةَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْوِتْرُ آكَدُ. وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ، وَفِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا لَمْ يَأْتِ مِثْلُهُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، لَكِنْ رَكْعَتَا الْفَجْرِ تَلِيهِ فِي التَّأْكِيدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ وَقْتُ الْوِتْرُ]
(١٠٨٧) فَصْلٌ: وَوَقْتُهُ مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي، فَلَوْ أَوْتَرَ قَبْلَ الْعِشَاءِ، لَمْ يَصِحَّ. وِتْرُهُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنْ صَلَّاهُ قَبْلَ الْعِشَاءِ نَاسِيًا لَمْ يُعِدْهُ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ. فَقَالَا: يُعِيدُ. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْوِتْرُ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ.» وَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ «إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً، فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ» .
وَفِي " الْمُسْنَدِ " عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «زَادَنِي رَبِّي صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، وَوَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَلِأَنَّهُ صَلَّاهُ قَبْلَ وَقْتِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى نَهَارًا. وَإِنْ أَخَّرَ الْوِتْرَ حَتَّى يَطْلُعَ الصُّبْحُ، فَاتَ وَقْتُهُ وَصَلَّاهُ قَضَاءً. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: الْوِتْرُ مَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَحْوُهُ، لِحَدِيثِ أَبِي بَصْرَةَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ وَقْتَهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ، وَالْحَدِيثِ الْآخَرِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» . وَقَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا» وَقَالَ: «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» وَقَالَ «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ أَوَّلِهِ» . أَخْرَجَهُنَّ مُسْلِمٌ.
[فَصْلٌ الْأَفْضَلُ التَّهَجُّد فِي آخِرِ اللَّيْلِ]
(١٠٨٨) فَصْلٌ: وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ مِنْ أَوَّلِهِ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ، فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ» وَذَلِكَ أَفْضَلُ وَهَذَا صَرِيحٌ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ آخِرَ اللَّيْلِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute