يُصْرَفُ إلَيْهِمْ ذَلِكَ، أَوْ عَادَتُهُ الْأَخْذُ مِنْ مِثْلِهِ، فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ إعْطَاءَ وَلَدِهِ وَسَائِرِ أَقَارِبِهِ إذَا كَانُوا مُسْتَحِقِّينَ دُونَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّفْرِيقِ، وَقَدْ فَرَّقَ فِي مَنْ يَسْتَحِقُّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَى أَجْنَبِيٍّ. وَلَنَا، أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَلَكَهُ بِالْإِذْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ، لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا مِنْ نَفْسِهِ.
[فَصْلٌ وَصَى إلَيْهِ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ فَأَبَى الْوَرَثَةُ إخْرَاجَ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهمْ]
(٤٧٨٧) فَصْلٌ: وَإِنْ وَصَّى إلَيْهِ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ، فَأَبَى الْوَرَثَةُ إخْرَاجَ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يُخْرِجُ الثُّلُثَ كُلَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ. نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ مُتَعَلِّقٌ بِأَجْزَاءِ التَّرِكَةِ، فَجَازَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِمَّا فِي يَدِهِ، كَمَا يَدْفَعُ إلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ. وَالْأُخْرَى، يَدْفَعُ إلَيْهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَلَا يُعْطِيهِمْ شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِهِ حَتَّى يُخْرِجُوا ثُلْثَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. نَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إذَا كَانَ لِلْمَدِينِ فِي يَدَيْهِ مَالٌ، لَمْ يَمْلِكْ اسْتِيفَاءَهُ مِمَّا فِي يَدَيْهِ، كَذَا هَاهُنَا. وَيُمْكِنُ حَمْلُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ جِنْسًا وَاحِدًا، فَلِلْمُوصِي أَنْ يُخْرِجَ الثُّلُثَ كُلَّهُ مِمَّا فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِ إخْرَاجِهِمْ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ، مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ أَجْنَاسًا، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِثُلُثِ كُلِّ جِنْسٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ عِوَضًا عَنْ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِمَّا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ لَا تَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ عَلِمَ الْوَصِيُّ أَنَّ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا]
(٤٧٨٨) فَصْلٌ: إذَا عَلِمَ الْوَصِيُّ أَنَّ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا، إمَّا بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهَا، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَقْضِيهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ ابْنُ الْمَيِّتِ يُصَدِّقُهُ؟ قَالَ: يَكُونُ ذَلِكَ فِي حِصَّةِ مَنْ أَقَرَّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ. وَقَالَ فِي مَنْ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: إنْ أَنَا مِتّ، فَادْفَعْهَا إلَى ابْنِي الْكَبِيرِ. وَلَهُ ابْنَانِ، أَوْ قَالَ: ادْفَعْهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ. فَقَالَ: إنْ دَفَعَهَا إلَى أَحَدِ الِابْنَيْنِ، ضَمِنَ لِلْآخَرِ قَدْرَ حِصَّتِهِ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْآخَرِ، ضَمِنَ. وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّ، وَلَمْ يُقِرُّوا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَقَرَّ عِنْدِي وَأَذِنَ لِي، إثْبَاتُ وِلَايَةٍ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ، وَلَا شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ بِالْوِلَايَةِ. وَقَدْ نَقَلَ أَبُو دَاوُد، فِي رَجُلٍ أَوْصَى أَنَّ لَفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا، يَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ يُنْفِذَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ إنْ لَمْ يُنْفِذْهُ. فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ يُصَدِّقُونَ الْوَصِيَّ أَوْ الْمُدَّعِيَ، أَوْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَمُوَافِقَةً لِلدَّلِيلِ. قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ عِلْمَ الْمُوصَى إلَيْهِ لَرَجُلٍ حَقًّا عَلَى الْمَيِّتِ، فَجَاءَ الْغَرِيمُ يُطَالِبُ الْوَصِيَّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute