الْقَاسِمِ: لَا يُجْزِئُهُ. وَإِنْ رَمَى حَصَاةً، فَوَقَعَتْ فِي غَيْرِ الْمَرْمَى، فَأَطَارَتْ حَصَاةً أُخْرَى، فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى، لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الَّتِي رَمَاهَا لَمْ تَقَعْ فِي الْمَرْمَى. وَإِنْ رَمَى حَصَاةً، فَالْتَقَمَهَا طَائِرٌ قَبْلَ وُصُولِهَا، لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فِي الْمَرْمَى.
وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى مَوْضِعٍ صُلْبٍ فِي غَيْرِ الْمَرْمَى، ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ عَلَى الْمَرْمَى، أَوْ عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ، ثُمَّ طَارَتْ فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى، أَجْزَأَتْهُ، لِأَنَّ حُصُولَهُ بِفِعْلِهِ. وَإِنْ نَفَضَهَا ذَلِكَ الْإِنْسَانُ عَنْ ثَوْبِهِ، فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى، فَعَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَنَّهَا تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِرَمْيِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ حُصُولَهَا فِي الْمَرْمَى بِفِعْلِ الثَّانِي، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخَذَهَا بِيَدِهِ فَرَمَى بِهَا. وَإِنْ رَمَى حَصَاةً، فَشَكَّ: هَلْ وَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى أَوْ لَا؟ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرَّمْيِ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ. وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِيهِ، أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ دَلِيلٌ. وَإِنْ رَمَى الْحَصَيَاتِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، لَمْ يُجْزِهِ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يُجْزِئُهُ، وَيُكَبِّرُ لِكُلِّ حَصَاةٍ. وَلَنَا، أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى سَبْعَ رَمَيَاتٍ، وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ فِي الرَّمْيِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ.
[مَسْأَلَةٌ قطع التَّلْبِيَة عِنْد ابْتِدَاء الرَّمْي لِجَمْرَةِ الْعَقَبَة]
(٢٥٣٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ) وَمِمَّنْ قَالَ: يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ. ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَيْمُونَةُ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَائِشَةَ: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ. وَعَنْ عَلِيٍّ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهُمَا كَانَا يُلَبِّيَانِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ سَعْدٍ، وَعَائِشَةَ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: يُلَبِّي حَتَّى يُصَلِّيَ الْغَدَاةَ يَوْمَ عَرَفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا رَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ. وَلَنَا، أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ
رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَكَانَ رَدِيفَهُ يَوْمَئِذٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ» ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ مَنْ خَالَفَهُ. وَاسْتُحِبَّ قَطْعُ التَّلْبِيَةِ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ؛ لِلْخَبَرِ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَطَعَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ. رَوَاهُ حَنْبَلٌ، فِي (الْمَنَاسِكِ) وَهَذَا بَيَانٌ يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِهِ. وَفِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُلَبِّي، وَلِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالرَّمْيِ، فَإِذَا شَرَعَ فِيهِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ، كَالْمُعْتَمِرِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِالشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِ الْجَمْرَةِ يَوْمَ النَّحْرِ]
(٢٥٣٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (ثُمَّ يَنْحَرُ، إنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِ الْجَمْرَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، لَمْ يَقِفْ، وَانْصَرَفَ، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ نَحْرُ الْهَدْيِ، إنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَاجِبٌ، اشْتَرَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، فَأَحَبَّ أَنْ يُضَحِّيَ، اشْتَرَى مَا يُضَحِّي بِهِ، وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ، وَيَذْبَحُ مَا سِوَاهَا. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِيَدِهِ، وَإِنْ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ جَازَ.
هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute