كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى حَمْلِهَا وَحِلِّ وَطْئِهَا. وَإِنْ قَالَ: إنْ كُنْت حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَهِيَ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقَعُ الطَّلَاقُ ثَمَّ لَا يَقَعُ هَاهُنَا، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَقَعُ ثَمَّ يَقَعُ هَاهُنَا، إلَّا أَنَّهَا إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، مِنْ حِينِ وَطْءِ الزَّوْجِ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَع سِنِينَ مِنْ حِينِ عَقْدِ الصِّفَةِ، لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ النِّكَاحِ بَاقٍ، وَالظَّاهِرُ حُدُوثُ الْوَلَدِ مِنْ الْوَطْءِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ قَبْلَهُ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
قَالَ الْقَاضِي: يَحْرُمُ الْوَطْءُ سَوَاءٌ قُلْنَا: الرَّجْعِيَّةُ مُبَاحَةٌ أَوْ مُحَرَّمَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمَعْرِفَةَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَعَدَمِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ، وَبَرَاءَةُ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ. وَإِذَا اسْتَبْرَأَهَا، حَلَّ وَطْؤُهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَيَكُونُ الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: مَتَى حَمَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ. لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَحِيضَ، فَإِذَا طَهُرَتْ وَطِئَهَا، فَإِنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا أُرِيَتْ النِّسَاءَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْنَ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِنَّ، انْتَظَرَ عَلَيْهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ غَالِبَ مُدَّةِ الْحَمْلِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهَا رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءُ الْحُرَّةِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَقَدْ حَصَلَ بِحَيْضَةٍ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» . يَعْنِي: تُعْلَمُ بَرَاءَتُهَا بِحَيْضَةٍ، وَلِأَنَّ مَا يُعْلَمُ بِهِ الْبَرَاءَةُ فِي حَقِّ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لَا يَخْتَلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ. وَأَمَّا الْعِدَّةُ، فَفِيهَا نَوْعُ تَعَبُّدٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّى بِالْقِيَاسِ.
وَهَلْ تَعْتَدُّ بِالِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ عَقْدِ الْيَمِينِ، أَوْ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَلَفَ فِيهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا الِاعْتِدَادُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِالِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْيَمِينِ. وَالثَّانِي، لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى سَبَبِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ. قَالَ أَحْمَدُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا حَبِلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ. يَطَؤُهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً. يَعْنِي إذَا حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ حَلَّ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ عَلَمٌ عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنْ الْحَمْلِ، وَوَطْؤُهَا سَبَبٌ لَهُ، فَإِذَا وَطِئَهَا اعْتَزَلَهَا، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ قَدْ حَمَلَتْ مِنْ وَطْئِهِ، فَطَلُقَتْ بِهِ.
[فَصْلٌ قَالَ إنْ كُنْت حَامِلًا بِغُلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَوَلَدَتْ غُلَامًا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ]
(٥٩٦٥) فَصْلٌ: إذَا قَالَ: إنَّ كُنْت حَامِلًا بِغُلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ. فَوَلَدَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute