وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّ غِلْمَانَهُ مَالُهُ، فَجَازَ أَنْ تَعْمَلَ تَبَعًا لِمَالِهِ، كَثَوْرِ الدُّولَابِ، وَكَمَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْعَامِلِ بَهِيمَةً يَحْمِلُ عَلَيْهَا
وَأَمَّا رَبُّ الْمَالِ لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ تَبَعًا. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. فَإِذَا شَرَطَ غِلْمَانًا يَعْمَلُونَ مَعَهُ، فَنَفَقَتُهُمْ عَلَى مَا يَشْتَرِطَانِ عَلَيْهِ. فَإِنْ أَطْلَقَا، وَلَمْ يَذْكُرَا نَفَقَتَهُمْ، فَهِيَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: نَفَقَتُهُمْ عَلَى الْمُسَاقِي، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْرُطَهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى الْمُسَاقِي، فَمُؤْنَةُ مَنْ يَعْمَلُهُ عَلَيْهِ، كَمُؤْنَةِ غِلْمَانِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَمْلُوكُ رَبِّ الْمَالِ، فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَهُ
فَإِنْ شَرَطَهَا عَلَى الْعَامِلِ، جَازَ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَقْدِيرُهَا. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُشْتَرَطُ تَقْدِيرُهَا؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ مَا لَا يَلْزَمُهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، كَسَائِرِ الشُّرُوطِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ تَقْدِيرُهَا لَوَجَبَ ذِكْرُ صِفَاتِهَا، وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ صِفَاتِهَا. فَلَمْ يَجِبْ تَقْدِيرُهَا. وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْغِلْمَانِ الْمُشْتَرَطِ عَمَلُهُمْ، بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ تَحْصُلُ بِهَا مَعْرِفَتُهُمْ كَمَا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ.
[فَصْلٌ شَرَطَ عَامِل الْمُسَاقَاة أَنَّ أَجْرَ الْأُجَرَاءِ مِنْ الثَّمَرَةِ وَقَدَّرَ الْأُجْرَةَ]
(٤١٢٣) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ الْعَامِلُ أَنَّ أَجْرَ الْأُجَرَاءِ الَّذِينَ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَقَدَّرَ الْأُجْرَةَ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ، فَإِذَا شَرَطَ أَجْرَهُ مِنْ الْمَالِ، لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ أَجْرَ عَمَلِهِ. وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ فَسَدَ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. وَيُفَارِقُ هَذَا مَا إذَا شَرَطَ الْمُضَارِبُ أَجْرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِمْ مِنْ الْحَمَّالِينَ وَنَحْوِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ فَكَانَ عَلَى الْمَالِ، وَلَوْ شَرَطَ أَجْرَ مَا يَلْزَمُهُ عَمَلُهُ بِنَفْسِهِ، لَمْ يَصِحَّ كَمَسْأَلَتِنَا.
[فَصْلٌ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ]
(٤١٢٤) فَصْلٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَسُئِلَ عَنْ الْأَكَّارِ يُخْرِجُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ صَاحِبُ الضَّيْعَةِ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُوَ عَقْدٌ لَازِمٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَكَانَ لَازِمًا، كَالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا، جَازَ لِرَبِّ الْمَالِ فَسْخُهُ إذَا أَدْرَكَتْ الثَّمَرَةُ، فَيَسْقُطُ حَقُّ الْعَامِلِ، فَيَسْتَضِرُّ. وَلَنَا مَا رَوَى مُسْلِمٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقِرَّهُمْ بِخَيْبَرَ، عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا، وَيَكُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا»
وَلَوْ كَانَ لَازِمًا لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ، وَلَا أَنْ يَجْعَلَ الْخِيَرَةَ إلَيْهِ فِي مُدَّةِ إقْرَارِهِمْ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ قَدَّرَ لَهُمْ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ، وَلَوْ قَدَّرَ لَمْ يُتْرَكْ نَقْلُهُ، لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِنَقْلِهِ، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute